عربي

6 أنماط وأساليب للقيادة

تعدُّ أنماط القيادة تصنيفات لكيفية تصرف الشخص في توجيه، وتحفيز، وإرشاد، وإدارة مجموعات من الناس. توجد عدد من أنماط القيادة، وأكثرها شهرةً: القيادة الاستبدادية (الأوتوقراطية)، والقيادة التشاركية (الديمقراطية)، والقيادة التفويضية (اللامركزية)، والقيادة التحويلية، والقيادة التبادلية، والقيادة الوضعية.

القادة العظماء هم مصدر إلهام عدد من الحراكات السياسية، والتغييرات الاجتماعية، كما يمكنهم تحفيز الآخرين على الأداء، والإبداع، والابتكار. يبدو جلياً الفروق الشاسعة بين أساليب القيادة عند التفكير في أشهر القادة العظماء.

طوَّر الباحثون نظريات وأطر مختلفة تساعد على تعريف وفهم مختلف أنماط القيادة.

أنماط القيادة الرئيسة

أجرى مجموعة من الباحثين بقيادة عالم النفس "كورت لوين" (Kurt Lewin) في عام 1939 دراسة تحدد أنماط القيادة المختلفة، وعلى الرغم من أنَّ الأبحاث اللاحقة أضافت تصنيفات جديدة، إلا أنَّ هذه الدراسة المبكِّرة كانت مؤثرة للغاية وأسست 3 أنماط رئيسة من القيادة التي شكلت نقطة انطلاق لنظريات قيادية دقيقة ومفصلة.

قسَّمت دراسة "لوين" الأطفال إلى 3 مجموعات تحت قيادة قائد استبدادي، وآخر ديمقراطي، وآخر تفويضي، فشاركَ الأطفال في مشروع فني وحرفي، بينما كان الباحثون يراقبون سلوك الأطفال استجابةً لأنماط القيادة المختلفة، ووجد الباحثون أنَّ القيادة الديمقراطية كانت الأكثر فعالية في إلهام المرؤوسين لتحقيق أداء جيد.

فيما يأتي 3 أنماط قيادية وفق دراسة "لوين":

1. القيادة الاستبدادية (الأوتوقراطية)

يصدر القائد الاستبدادي تعليمات صارمة توضح النتائج المطلوبة من الموظفين، وموعد التسليم النهائي، وآلية العمل المناسبة؛ إذ يركز هذا النمط من القيادة على أوامر القائد والتحكم في الأتباع، كما يفرِّق بوضوح بين القائد والأعضاء. يتخذ القادة الاستبداديون القرارات باستقلالية، دون أن يسمحوا لأعضاء الفريق بالمشاركة في العملية.

وجدَ الباحثون أنَّ اتخاذ القرار كان أقل إبداعاً تحت القيادة الاستبدادية، كما خلص "لوين" إلى أنَّه من الأصعب الانتقال من النمط الاستبدادي إلى النمط الديمقراطي مقارنة بالعكس؛ إذ يُعدُّ القائد متسلطاً، ومتحكماً، واستبدادياً عندما يقمع موظفيه ويسيء استخدام سلطته عليهم.

تُطبَّق القيادة الاستبدادية في الحالات التي يكون فيها الوقت ضيِّقاً ولا يسمح باتخاذ القرارات الجماعية أو عندما يكون القائد هو أكثر معرفة في المجموعة؛ إذ يمكن أن تكون القيادة الأوتوقراطية مناسبة عندما تتطلب الظروف اتخاذ قرارات سريعة وإجراءات حاسمة، وفي جميع الأحوال، تؤدي القيادة الاستبدادية إلى نفور الموظفين من القائد المتسلط ومعارضتهم لتوجيهاته، وبالنتيجة تنخفض فعالية العمل.

2. القيادة التشاركية (الديمقراطية)

وجدت دراسة "لوين" أنَّ القيادة التشاركية أو الديمقراطية، تُعدُّ عادةً أكثر أنماط القيادة فعالية؛ إذ يوجه القادة الديمقراطيون فرقهم، لكنَّهم أيضاً يسمحون للآخرين بالمشاركة وإبداء آرائهم. وجدت دراسة لوين أنَّ إنتاجية الأطفال في هذه المجموعة أقل من أعضاء المجموعة الاستبدادية، لكنَّ مساهماتهم كانت ذات جودة أعلى.

يشجع القادة التشاركيون أعضاء المجموعة على المشاركة، لكنَّهم يتخذون القرار النهائي، فيشعر أعضاء المجموعة بأنَّهم جزء هام من العملية، مما يزيد من حماسهم وإبداعهم، والتزامهم بالعمل على تحقيق أهداف المجموعة.

3. القيادة التفويضية (اللامركزية)

اكتشفَ "لوين" أنَّ الأطفال الذين كانوا تحت قيادة تفويضية أو لامركزية، كانوا أقل إنتاجية بين المجموعات الثلاث، وكان الأطفال في هذه المجموعة يرفعون مطالبهم للقائد، ويفتقرون للتعاون، ويعجزون عن العمل باستقلالية.

يُطلَب من اعضاء الفريق اتخاذ القرارات بمفردهم وتكون توجيهات القائد بالحد الأدنى، ورغم أنَّ هذا النمط قد يكون مفيداً عندما تضم المجموعة خبرات وكفاءات عالية، لكنَّه يفتقر للتنظيم ولا يسمح بتوزيع الأدوار والمسؤوليات بين المشاركين، ويمكن أن تؤدي هذه الفوضى إلى تخفيض حماسهم وإنتاجيتهم.

لاحظ "لوين" أنَّ القيادة اللامركزية تنتج مجموعات فوضوية يتملص فيها الأعضاء من المسؤولية، ويلقون اللوم على زملائهم، مما يُبطِّئ سير العمل ويخفِّض الإنتاجية.

ملاحظات حول أنماط قيادة لوين

يتحدث المؤلفان "بيرنارد باس" (Bernard Bath) و"روث باس" (Ruth Bass) في كتابهما "دليل باس للقيادة: النظرية والبحث والتطبيقات الإدارية" (The Bass Handbook of Leadership: Theory, Research, and Managerial Applications) عن اقتصار الدراسات والأبحاث على الجوانب السلبية للقيادة الاستبدادية. يُوصف القادة الاستبداديون بأنَّهم متحكمون وذوو عقلية متحجرة، دون التطرق لإيجابيات فرض القواعد، وتوقُّع الالتزام، وتحمُّل المسؤولية.

لا تُعدُّ القيادة الاستبدادية الخيار الأفضل عموماً، ولكنَّها يمكن أن تكون فعالة ومفيدة في الحالات التي يحتاج فيها المرؤوسون لتوجيهات مفصلة، وعندما يتطلب العمل تطبيق القواعد والمعايير المفروضة بدقة، فتتجاهل معظم الدراسات فعالية القيادة الاستبدادية في الحفاظ على النظام.

يشرح المؤلفان أنَّ القيادة الديمقراطية تركز على المرؤوسين، وتُعدُّ نهجاً فعالاً للحفاظ على العلاقات مع الآخرين، فيتفاهم المرؤوسون تحت هذا النوع من القيادة جيداً ويدعمون بعضهم، كما يتشاورون مع أعضاء المجموعة الآخرين عند اتخاذ القرارات.

أنماط ونماذج قيادة إضافية

وصف الباحثون عدداً من الأنماط الأخرى المميزة للقيادة، بالإضافة إلى الأنماط الثلاثة التي حددها "لوين" وزملاؤه، ومن بين الأنماط الشهيرة:

4. القيادة التحويلية

تُعدُّ القيادة التحويلية أكثر فعالية على الإطلاق، فوُصفت هذه القيادة لأول مرة في أواخر السبعينيات ووُسِّعَت لاحقاً من قِبل المؤلف والباحث "برنارد باس". يتمكن القادة التحويليون من تحفيز وإلهام الأتباع وتوجيه التغييرات الإيجابية في المجموعات.

يظهر هؤلاء القادة مستويات عالية من الذكاء العاطفي، والنشاط، والشغف، وهم ملتزمون بتحقيق أهداف المنظمة، وتمكين أعضاء الفريق من تطوير قدراتهم واستثمارها في العمل.

تظهر الأبحاث أنَّ هذا النمط من القيادة يُنتج أداء أعلى ويزيد رضى المجموعة مقارنة بأنماط القيادة الأخرى، وقد وجدت إحدى الدراسات أيضاً أنَّ القيادة التحويلية حسَّنت رفاهية أعضاء المجموعة.

القيادة التحويلية

5. القيادة التبادلية

يعدُّ أسلوب القيادة التبادلية العلاقة بين القائد والمرؤوس بوصفها معاملة، ومن خلال قبول الفرد كونه عضواً في الفريق، فإنَّه يوافق على الالتزام بتوجيهات القائد، ويتضمن ذلك علاقة صاحب العمل بالموظف، وتركز المعاملة على إتمام المرؤوس للمهام المطلوبة مقابل أجر مُتفق عليه.

يوضِّح هذا الأسلوب القيادي الأدوار والمسؤوليات، فيعرف الأشخاص ما هو مطلوب منهم بدقة، وما الذي سيتلقونه في المقابل؛ إذ يسمح هذا الأسلوب للقادة بالإشراف والتوجيه عند الحاجة.

يمكن للقادة في هذا الأسلوب تحفيز الأفراد لتقديم أداء أفضل مقابل بعض المكافآت، وبالمقابل يمكن أن يكبح هذا الأسلوب الابتكار والتفكير الإبداعي.

6. القيادة الوضعية

تشدد نظريات القيادة الوضعية على التأثير الكبير للبيئة والوضع الراهن في القيادة، ويُذكَر من أبرزها "نظرية هيرسي وبلانشارد" ( Hersey and Blanchard theory)، ونُشرت لأول مرة في عام 1969، ويصف هذا النموذج 4 أنماط رئيسة للقيادة، بما في ذلك:

  1. الإخبار: إخبار الناس بما يجب عليهم فعله.
  2. الإقناع: إقناع المرؤوسين بقبول أفكارهم ورسائلهم.
  3. المشاركة: السماح لأعضاء المجموعة بأخذ دور أكثر نشاطاً في عملية اتخاذ القرار.
  4. التفويض: عدم تدخل القادة والسماح لأعضاء المجموعة باتخاذ معظم القرارات.

وسَّع "بلانشارد" لاحقاً "نموذج هيرسي وبلانشارد" الأصلي لتأكيد كيف يؤثر مستوى تطور ومهارات المتعلمين في الأسلوب الذي يجب أن يستخدمه القادة، كما وصف "نموذج أنماط القيادة الوضعية "2 (Situational Leadership II - SLII) الخاص "ببلانشارد" 4 أنماط قيادة مختلفة:

  1. التوجيه: إعطاء الأوامر وتوقع الالتزام، ولكن مع تقديم قليل من التوجيه والمساعدة.
  2. الكوتشينغ: إصدار كثير من الأوامر، ولكن مع تقديم كثير من الدعم.
  3. الدعم: تقديم كثير من المساعدة، وقليل من التوجيه.
  4. التفويض: تقديم قليل من التوجيه أو الدعم.

في الختام

لا تعدُّ القيادة مجرد ممارسة بسيطة تعتمد على إصدار الأوامر وتنفيذها؛ بل هي فن وعلم يتطلب فهماً عميقاً لمختلف السلوكات وأساليب العمل، فالقائد الفعَّال هو الذي يستطيع تكييف أسلوبه بناءً على السياق والظروف المحيطة واحتياجات فريقه، فمن خلال المعرفة بالنظريات والأطر المختلفة للقيادة، يمكن للقادة تعزيز كفاءاتهم وتحقيق تأثير إيجابي ومستدام، سواء كانت القيادة استبدادية أم تشاركية أم تفويضية أم تحويلية أم تبادلية أم وضعية، يبقى الهدف الأسمى هو تحقيق النجاح وبناء فرق عمل متماسكة وملتزمة تسعى للتميز.

The last articles

Be up to date with the latest news

Subscribe now to get the latest articles, research, and products that make you stronger than ever