English

التوجهات المستقبلية في تقييم القادة: دمج العلم السلوكي مع التكنولوجيا

شهدَت إجراءات تقييم القادة تغيرات كبيرة في السنوات الأخيرة، فلم تعد الشركات تستخدم مقاييس التقييم التقليدية؛ بل تعتمد أُطر التغذية الراجعة بطريقة 360 درجة التي أثبتت فعاليتها وشموليتها في التقييم.

تطوُّر إجراءات تقييم القادة

استخدمَ الرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك (General Electric) "جاك ويلش" (Jack Welsh) نظاماً صارماً لتقييم الأداء يُعرف باسم "التقييم والتسريح" (Rank and Yank)، فرتَّب موظفو الشركة وفق الأداء، وذلك لتحديد العمالة ذات الأداء الأضعف. عزَّز هذا النهج في البداية الأداء التنافسي، لكنَّه أحبَطَ في النهاية الموظفين، ورفع معدَّل دوران العمالة.

اعتمدَت شركة "أكسنتشر" (Accenture) حلقات التغذية الراجعة والتقييمات التي تركِّز على تطوير القادة، فأرسى جميع آراء الأقران والموظفين والرؤساء ثقافة التواصل المفتوح. انخفَض معدل دوران العمالة في المنظمات التي اعتمدت استراتيجية التغذية الراجعة الشاملة بنسبة 14.9% مقارنة بالمنظمات التي لم تعتمدها، ممَّا يؤكد أهمية أساليب التقييم الحديثة في تنمية القادة.

يجب أن تركِّز المنظمات على مهارات الذكاء العاطفي والقدرة على التكيف في سعيها لتحسين إجراءات تقييم القادة، فشركة "آي بي إم" (IBM) هي خير مثال على استخدام التحليلات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في تقييم مهارات القادة وقدرتهم على التعاطف وحل المشكلات.

تستخدم هذه الشركة أداة "واتسون بيرسوناليتي إنسايتس" (Watson Personality Insights) لإنشاء برامج خاصة لتطوير القادة عن طريق تقدير كفاءتهم ومستوى اندماج الموظفين. تُرسي الشركات التي تواجه تحديات مماثلة بيئات عمل تشجع القادة على الاستفادة من التغذية الراجعة، وتعديل أساليبهم لتلبية احتياجات أعضاء الفريق.

يوفر استخدام كلٍّ من التغذية الراجعة النوعية والمقاييس الكمية رؤية متكاملة لإمكانات القادة، ممَّا يُرسي ثقافة تنظيمية أكثر قوة ومرونة.

دور العلوم السلوكية في تقييم القادة

يقيِّم فهم العلوم السلوكية القادة ويُحقِّق النجاح في المؤسسات. طبَّقت شركة البيع بالتجزئة "وول مارت" (Walmart) برنامج "التميز القيادي" (Leadership Excellence) لتطوير القادة، فاستفادَت الشركة من التقييمات السلوكية في فهم استجابة المديرين لمختلف التحديات، فازداد رضى الموظفين بنسبة 23% خلال عام واحد. سلَّطَت هذه المبادرة الضوء على العلاقة الهامة بين سلوكات القادة ومعنويات الفريق.

يتطلب تحسين أساليب تقييم القادة استخدام التغذية الراجعة بطريقة 360 درجة والمقابلات السلوكية التي تقدِّم أمثلة من الحياة الواقعية، ممَّا يُرسي ثقافة الحوار المفتوح ويُحقِّق التحسن المستمر.

غيَّرَت شركة البرمجيات "مايكروسوفت" (Microsoft) نهجها في تقييم القادة، واعتمدت على عقلية النمو لغرس الرغبة بالتنمية دوماً، وذلك بعد أن أصبحَت تحت إدارة "ساتيا ناديلا" (Satya Nadella)، الذي أكَّد أهمية فهم العلاقات بين أعضاء الفريق والسلوكات التي تحقق التأثير الأكبر. زادَت الشركة اندماج الموظفين بنسبة 75%، مما يُبرز دور هذه المعلومات في تحسين قرارات القادة.

ينبغي أن تشجع المنظمات القادة على ممارسة التأمل الذاتي وتطبيق التمرينات التي تبرز ميولهم السلوكية، وذلك لتحسين مهاراتهم في اتخاذ القرارات، والتعامل مع الآخرين. تُظهر هذه الأمثلة أنَّ فهم العلوم السلوكية يُحسِّن مقاييس تقييم القادة من جهة، ويُرسي ثقافة تنظيمية أكثر مرونة من جهة أخرى.

تقييم القادة

دور الذكاء الاصطناعي في اكتشاف المواهب

غيَّر الذكاء الاصطناعي (AI) الطريقة المُتَّبَعة في البحث عن الموظفين المحتملين، وتقييمهم وتأهيلهم للعمل. استخدَمت شركة "آي بي إم" الذكاء الاصطناعي في إجراءات التوظيف عبر برنامج "واتسون تالنت" (Watson Talent)، الذي يحلِّل مجموعات كبيرة من بيانات المرشحين بهدف اختيار المناسبين منهم للمناصب بناءً على المهارات والخبرات وحتى الخلفية الثقافية.

ساعد نظام الذكاء الاصطناعي التابع لشركة "آي بي إم" مؤسسة مالية كبرى على توفير وقت المسؤولين عن التوظيف بنسبة 75%، فأصبح بإمكانهم التركيز على  اختيار أفضل المرشحين بناء على معايير دقيقة ومدروسة، بدلاً من قضاء الوقت في مراجعة عدد كبير من السِّيَر الذاتية. يؤكد هذا النجاح أهمية الاعتماد على البيانات في اتخاذ القرارات، ويبرز دور الذكاء الاصطناعي في تحسين فعالية العمل وتجربة المرشح للوظيفة.

توجد صعوبات ترافق استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية اختيار المواهب، مثل التمييز عن غير قصد في إجراءات التوظيف، فقد تستبعد الخوارزميات مرشَّحين مؤهَّلين لمجرد أنَّهم لا يتناسبون مع البيانات السابقة. أوقفَت شركة "أمازون" (Amazon) استخدام الذكاء الاصطناعي في اختيار الموظفين بعدما اكتشفت أنَّه كان متحيِّزاً ضد النساء بسبب قلة المتقدِّمين الإناث في البيانات السابقة.

تعطي المؤسسات لمعالجة هذه المشكلة الأولوية للشفافية وتُراجِع أنظمة الذكاء الاصطناعي دورياً لضمان العدل في التقييمات، وتعتمد نهجاً متوازناً يجمع بين الذكاء الاصطناعي والحدس البشري؛ إذ يوصي القادة بإجراء دورات تدريبية للمسؤولين عن التوظيف لفهم التحليلات التي يجريها الذكاء الاصطناعي، وتحسين الأوصاف الوظيفية لتشمل مختلف المتقدمين.

استخدام المقاييس النفسية في تحليل إمكانات القادة

استخدمَت شركة "آي بي إم" المقاييس النفسية في تحليل إمكانات القادة، وذلك بعد أن أدركَت إهمال طرائق التقييم التقليدية للذكاء العاطفي والقدرة على التكيف. وضعَت الشركة إطار عمل شاملاً لتقييم المرشحين وفق مبادئ علم النفس، وقد جاء هذا النهج نتيجة دراسة أُجريت عام 2022، خلُصَت إلى أنَّ القادة الذي يتمتعون بالذكاء العاطفي يتفوَّقون على نظرائهم بنسبة 60% من جهة رضى الفريق ورفع الإنتاجية.

استخدَمت شركة "آي بي إم" هذه المقاييس في تحديد القادة القادرين على التعامل مع الصعوبات التي تفرضها أماكن العمل المعاصرة، والتشجيع على التعاطف والتعاون والمرونة. تُنصح المؤسسات بالاستثمار في أدوات التقييم النفسي، مثل اختبار (Emotional Quotient Inventory) لتقدير إمكانات القادة ومدى توافقهم مع قيم الشركة وأهدافها.

غيَّرت شركة "يونيليفر" (Unilever) استراتيجيتها في التوظيف عبر استخدام التقييمات النفسية، فقد أدركَت أنَّ المقابلات التقليدية لم تكن كافية دوماً لاختيار المرشحين المناسبين للمناصب القيادية. ووجدَت بعد استخدام اختبارات التقييم النفسي أنَّ أولئك الذين لديهم القدرة على التكيف والمرونة كان أداؤهم أفضل، وشعروا بقدر أكبر من الرضى الوظيفي. نتيجة لذلك، انخفضَ معدل دوران القادة الجدد بنسبة 30% في غضون عامين.

ننصح جميع المؤسسات التي تواجه تحديات مماثلة باستخدام الأدوات والأساليب المعتمدة في علم النفس، وإنشاء بيئة عمل تُعنى بالقادة الذين يمكنهم إدارة التحديات التي يشهدها قطاع الأعمال اليوم.

تأثير تحليلات البيانات في تطوير القادة

برزَت تحليلات البيانات بوصفها أداة فعالة لتنمية مهارات القادة في ظلِّ التغييرات التي تشهدها القيادة في الشركات. تستخدم شركة "آي بي إم" التحليلات في تخصيص مبادرات تدريب القادة، فأنشأَت برامج تطوير مخصصة تلبِّي احتياجات وتطلعات القادة من خلال تحليل مقاييس الأداء والتغذية الراجعة الصادرة من الموظفين.

كشفَت دراسة أجرتها شركة "ديلويت" (Deloitte) عام 2022، أنَّ المنظمات التي استخدمت التحليلات التنبؤية في برامج التنمية القيادية، شهدَت زيادة بنسبة 30% في فعالية القادة. تثبت تجربة شركة "آي بي إم" أنَّ جمع البيانات يساعد على الحصول على معلومات قيِّمة عن وضع القادة، ويُحقِّق نتائج تجارية ملموسة من برامج التطوير القيادي، مما يتيح للقادة الناشئين إمكانية المساهمة في نجاح المؤسسات.

استخدمت مؤسسات، مثل "جنرال إلكتريك" (General Electric) تحليلات البيانات في برامج تطوير القادة عن طريق تتبُّع أدائهم، فقد أطلقت هذه الشركة منصة "كونيكتس" (Connects) لتحليل مهارات الموظفين ومساهماتهم، ممَّا مكَّن المديرين من تحديد الأفراد ذوي الإمكانات العالية وإنشاء برامج مخصصة لتنميتهم. رفعَت هذه الاستراتيجية معدل الاحتفاظ بالمواهب القيادية، فأعلنت شركة "جنرال إلكتريك" عن انخفاض معدل دوران قادتها بنسبة 25%.

تستفيد المؤسسات الراغبة بتنمية قادتها من البيانات في إنشاء البرامج المناسبة، والاستثمار في أدوات التحليل التي تجمع البيانات المتعلقة بأداء الموظفين وتغذيتهم الراجعة، وإرساء ثقافة تحقِّق التحسين المستمر، وضمان استمرار عملية تطوير القادة.

تحديات دمج التكنولوجيا مع الرؤى السلوكية

واجهَت شركات، مثل "نتفليكس" (Netflix) و"سبوتيفاي" (Spotify) في ظلِّ التطور السريع الذي تشهده التكنولوجيا تحديات في الاستفادة من الرؤى السلوكية في تحسين تجربة المستخدم. أدركَت شركة "نتفليكس" أنَّ استخدام الخوارزميات للتوصية بالعروض لا يكفي، حيث استاء المشاهدون من كثرة الخيارات المتاحة. استخدَمت "نتفلكس" العلوم السلوكية، وبسَّطت قوائم الاقتراحات، ووفرت قوائم تشغيل مخصصة، ممَّا زاد تفاعل المستخدمين بنسبة 20%.

واجهَ تطبيق اللياقة البدنية "سترافا" (Strava) عقبات أيضاً في دمج التكنولوجيا مع الرؤى السلوكية، وعلى الرغم من أنَّ ميزات التتبُّع نالت إعجاب العدَّائين، إلا أنَّ "سترافا" أدركَت أنَّ العلاقات الاجتماعية أثَّرت في الاحتفاظ بالمستخدمين، فزادت معدلات الاحتفاظ بالمستخدمين بنسبة تزيد عن 40% من خلال التطرق إلى التحديات المجتمعية وتوفير إمكانية المشاركة الاجتماعية.

يجب على الشركات التي تنوي الاستفادة من التكنولوجيا أن تفهم دوافع جمهورها وعواطفه، وتوفر ميزات تثير اهتمام المستخدمين. وفَّرَت حلقات التغذية الراجعة، واختبار أ/ب الحلول التي تجمع بين الرؤى السلوكية والعروض التكنولوجية، ممَّا يُحسِّن تجربة المستخدم.

تحديات دمج التكنولوجيا مع الرؤى السلوكية

التوجهات المستقبلية وإنشاء نماذج تقييم شاملة

أدركَت المنظمات في السنوات الأخيرة أهمية نماذج التقييم الشاملة، والتي لا تركز على النتائج فحسب؛ بل تُعنى بالعمليات الأساسية التي تحسِّن الأداء. يُذكَر من الأمثلة المثيرة للاهتمام شركة "يونيليفر" التي عدَّلت استراتيجياتها في التقييم لتشمل مقاييس الاستدامة والتأثير الاجتماعي إلى جانب الأداء المالي. جاء هذا القرار بعد نشر تقرير أشار إلى أنَّ 33% من المستهلكين يفضلون العلامات التجارية التي تتوافق مع قيمهم. بعد أن طبَّقت شركة "يونيليفر" هذه التدابير الشاملة، ازداد ولاء العملاء للعلامة التجارية، وزادَت حصة الشركة في السوق في خطوط الإنتاج التي تراعي الاعتبارات الأخلاقية.

تُنصَح المؤسسات التي تواجه تحديات مماثلة، بإجراء تخطيط شامل لعملياتها مع الحرص على مراعاة الأبعاد الاجتماعية والبيئية والمالية التي تتوافق مع رسالة مهمتها.

اعتمدَت المؤسسات التعليمية التقييم الشامل لتحسين نتائج الطلاب. طبَّقَت جامعة "ميشيغان" (University of Michigan) مثلاً إجراءات قبول شاملة لا تقتصر على المقاييس التقليدية، مثل الدرجات ونتائج الاختبارات فحسب؛ بل تشمل أيضاً المقالات الشخصية والمقابلات وخدمة المجتمع. ازداد التنوع بين طلاب الجامعة نتيجة لذلك، الأمر الذي عزز الإبداع ومهارات حل المشكلات وفق الدراسات.

يجب على الشركات التي تسعى لتحقيق مثل هذا النجاح إشراك مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة في تطوير معايير التقييم، ليكون النموذج شاملاً ويعكس طيفاً واسعاً من القيم والتطلعات، ممَّا يُثري خبرات جميع المشاركين.

في الختام

يشهد مستقبل تقييم إمكانات القادة تغيرات كبيرة نتيجة دمج العلوم السلوكية والتكنولوجيا المتطورة. تدرك المؤسسات أوجه القصور في أساليب التقييم التقليدية؛ لذا أصبحت تعتمد أساليب مبتكرة تستخدم فيها تحليلات البيانات، والذكاء الاصطناعي، والرؤى النفسية. يزيد هذا دقة تقييمات القادة وموثوقيتها من جهة، ويسهِّل فهم الإمكانات الفردية من جهة أخرى، فمن خلال اعتماد هذه المنهجيات المتكاملة، تعزز الشركات تنوع القادة، ممَّا يُحقِّق النجاح التنظيمي في ظل التغيرات المستمرة في قطاع العمل.

يُبرز تطور مجال تقييم القادة أهمية القدرة على التكيف والتعلم المستمر، وبما أنَّ العلوم السلوكية توفر رؤى عميقة حول تعقيدات السلوك البشري، يجب أن تحافظ المنظمات على مرونتها، وتحسِّن معايير التقييم استجابة للتوجهات الناشئة والتحولات المجتمعية؛ إذ يتطلب التعامل مع التحديات التي يفرضها العالم المعاصر الاهتمام بمهارات، مثل الذكاء العاطفي، والمرونة، والتعاون على حل المشكلات.

يُبشِّر اندماج العلوم السلوكية والتكنولوجيا ببزوغ عصر جديد  يُبرز القادة الفعَّالين، ويعزز نموهم وتطورهم بما يتوافق مع الأهداف والقيم التنظيمية.

آخر المقالات

كن على اطلاع بأحدث الأخبار

اشترك الآن لتحصل على أحدث المقالات والأبحاث والمنتجات التي تجعلك أقوى من أي وقت مضى