تتمثل مهام فِرق التعلم والتطوير (L&D) في تمكين الأفراد من اتباع أساليب مختلفة في العمل، وإيلاء الأهمية للأمور القابلة للتقييم، بدلاً من قضاء الوقت في تقييم ما هو هام.
لن يكون هناك تأثير لنشاطات التعلم والتطوير دون دعم القادة والفِرَق التي يعمل معها المشاركون في البرامج، كما أنَّ التصاميم التعليمية، تقدِّم المحتوى، بينما يجب أن تمتد إلى تطبيق ما تُعُلِّم لتحسين الأداء.
أهم الخطوات لتقديم تدريب فعال وذو تأثير
فيما يأتي 6 خطوات لتقديم تدريب قيِّم ومفيد:
1. تحديد الهدف
يعود مفهوم وضوح الهدف في التخطيط إلى أزمنة غابرة، وقد تناوله المفكرون والقادة على مَرِّ التاريخ، أمثال: "أرسطو" (Aristotle) و"سينيكا" (Seneca) و"بنجامين فرانكلين" (Benjamin Franklin)، وكُتَّاب القرن العشرين، فهذه الحكمة ليست بجديدة.
عند تصميم أي برنامج تعليمي، وبصرف النظر عن المنهجية المختارة، يجب أن نحدد بوضوح:
- التغييرالمؤسسي المنشود في نهاية البرنامج.
 - الأمور التي يجب التوقف عن فعلها أو تقليلها لإفساح المجال للمهارات والمهام والسلوكات الجديدة.
 - معايير النجاح والتميز.
 
2. تحديد المقاييس ومراقبة العمليات
لضمان نجاح البرامج التدريبية، يجب أن نطرح الأسئلة التالية:
- كيف ستقيِّم التغيير الحاصل؟
 - ما النتيجة التي تتوقع أن تراها؟ ومتى؟ وكم مرة؟
 - كيف ستجمع البيانات حول كيفية قيام الموظفين بأعمالهم؟
 - هل يكفي وجود علاقة سببية بين المشاركة في البرنامج والتغير في السلوك؟
 
تركز المؤسسات عادة على عدد المشاركين في الدورة التدريبية، أو عدد الذين شاهدوا مقاطع الفيديو، أو أكملوا التدريب الإلكتروني، معتقدين أنَّ ذلك يُثبت تأثير التغييرات التي أجروها، ولكن إن كان الهدف هو تغيير السلوك لتحسين الأداء، فهذه المقاييس وحدها غير كافية؛ لأنَّ أخذ المحتوى لا يعني التعلم، واجتياز اختبار نهائي ليس دليلاً على التأثير، ولا تكمن القيمة في عدد الزملاء الذين سجَّلوا الدخول إلى نظام التعلم، أو حضروا الدورة، أو حمَّلوا المستندات؛ بل في التغيير الناتج.
بالطبع، لا تضيف مبادرات التعلم والتطوير قيمة تُذكَر إن لم يكمل المشاركون البرنامج؛ لذا، فإنَّ تتبُّع نشاط المتدربين هو جزء من العملية، لكنَّه ليس كل شيء.
يجب أن تُثبِت أنَّ الهدف الذي وضعته قد تحقَّق، أو على الأقل أحرزت تقدماً ملموساً تجاهه.

3. إشراك القادة في العملية
لا تُفهَم نشاطات التعلم والتطوير بمعزل عن سياقها التنظيمي؛ إذ يجب بين الحين والآخر إشراك المنظمة بأكملها في مبادرة تغيير يؤدي التعلم فيها دوراً هاماً.
بالطبع، تتطلب جميع مبادرات التغيير اتباع أساليب مختلفة أو تجربة أشياء جديدة، وبالتالي يجب أن يكون التعلم دوماً جزءاً من الحل، ففي مبادرات "التحول" هذه، قد تتاح لك فرصة تصميم منهجيات متعددة الوظائف تستهدف القادة وأعضاء الفِرَق والموظفين الجدد، ويُعد إشراك القادة عنصراً أساسياً في هذه العملية وهو ما يتوقعه الجميع.
لكنَّ هذه الفرصة نادرة، غالباً ما نكون أمام مجموعة محددة أو وظيفة معيَّنة تحتاج إلى تغيير جانب أو أكثر من سلوكها الحالي، وفي هذه الحالات، يحتاج القادة والشبكات والفرق المتعددة الوظائف التي تشكل البيئة التي يعمل فيها المشاركون إلى معرفة ما يحدث ولماذا وما النتائج المرجوة، والتي يجب توضيحها توضيحاً مقنعاً.
لماذا لا تحقق برامج التعلم والتطوير النتائج المرجوَّة؟
يجب مناقشة، وتحديد، وتنفيذ الطرائق التي يحقق الأفراد من خلالها النتائج المنشودة، فحين تحدد هدف التعلم الرئيس؛ أي السلوك الذي ترغب في تغييره والمسارات التي ستستخدمها لإثبات نجاحه (أو فشله)، فإنَّك تحدد نتائج قابلة للقياس والملاحظة.
يتطلب السلوك الداعم والتمكيني من القادة تركيزاً مماثلاً، فمعظم مبادرات التعلم لا تحقق هدفها ليس بسبب عدم تفاعل المشاركين أو تدني جودة المحتوى التعليمي؛ بل لأنَّ القادة لا يطبِّقون المهارات الجديدة، ولا يوفرون فرصاً للتعلم المستمر في العمل للفريق.
فكرة أنَّ التدريب "انتهى" بمجرد مغادرة القاعة أو الخروج من نظام إدارة التعلم هي فكرة سخيفة، إلَّا أنَّها ما زالت تتجسد في أفعال أولئك الذين يديرون الجمهور المستهدف.
4. التطبيق العملي، وليس النظري فقط
نركز غالباً عند تصميم برامج التعلم على الأبعاد النظرية (أي ما يجب تعلمه وما أهميته)، بينما يبقى الجانب الأهم، وهو التطبيق العملي، غائباً أو هامشياً. صحيح أنَّ فهم الأسس النظرية ضروري، لكنَّه يظل مجرد نقطة انطلاق وليس وجهة نهائية.
عادة ما يكون قسم التعلم والتطوير بارعاً في التركيز على التطبيق عند تصميم تدريب التكنولوجيا أو البرمجيات، فيحددون المهمة المطلوبة، ويختارون الأداة المناسبة، ثم يوضحون للمتدربين خطوة بخطوة ما يجب عليهم فعله.
يوفرون أحياناً الإرشادات لإنجاز مهام محددة أو استخدام وظائف برمجية معيَّنة، بدلاً من تقديم عروض توضيحية مطوَّلة؛ لأنَّهم يدركون أنَّ بعض المهام (مثل إنشاء جدول محوري في "إكسل") ليست مهاماً يومية، ويحتاج الموظفون إلى دليل سريع يذكِّرهم بالخطوات الرئيسة عند الحاجة.
يُكتفى عادة عندما يتعلق الأمر بمهارات أخرى، مثل: التعامل مع الزبائن أو أصحاب المصلحة، أو التعاون مع الزملاء، أو إدارة المحادثات الصعبة بشرح ما يجب فعله ولماذا، دون تقديم أدوات عملية أو إرشادات مفصلة حول "كيفية" تنفيذ هذه المهام بفعالية.
تظهر هذه المشكلة بوضوح في نشاطات التواصل مع الآخرين؛ إذ نرى عادة مصطلحات، مثل "إظهار التعاطف" أو "الإصغاء الفعال" أو "الكتابة الموجزة"، لكنَّها مصطلحات واسعة وقابلة للتأويل، فكل شخص قد يفهمها فهماً مختلفاً، مما يجعلها غير دقيقة في التطبيق العملي.
وضِّح كيفية تغيير أساليب العمل لضمان تحقيق حد أدنى من الأداء المتسق، من خلال مساعدة الموظفين على بناء مجموعة مهارات وسلوكات محددة لتحسين هذه التفاعلات البشرية.
5. التخطيط لجمع البيانات وتحليلها
يتطلب رصد أداء الأفراد ومدى تحقيقهم لمستوى الأداء الجيد وقتاً وجهداً؛ إذ يجب توفر منهجية فعالة لتقييم التغيير الحاصل قبل التدخل وبعده، مع تخصيص الموارد اللازمة (الموظفين والوقت وتحليل البيانات) في خطة المشروع منذ مرحلة التصميم.
أسئلة محورية:
- هل تتعاون مع المشاركين لوضع خطة عمل تدعم التعلم المستمر وتوفر أدلة على تحسن الأداء؟
 - هل تتابع تنفيذ هذه الخطط؟
 - هل يمتد تصميمك التعليمي ليشمل بيئة العمل الفعلية؟
 
لا يجوز الادعاء بعدم حدوث تغيير بعد مبادرة تعليمية إذا لم تحدد مسبقاً النتائج المتوقعة، ولم تتابع التنفيذ بدقة.
منهجية "الزحف، والمشي، والجري" (crawl, walk, run)
يدعو عدد من خبراء تأثير التعلم، بما في ذلك البروفيسور "روبرت برينكرهوف" (Robert Brinkerhoff) إلى اتباع هذه المنهجية التدريجية؛ أي بناء المهارات والسلوكات الجديدة بالتدريج:
- بعد التدخل الأولي: إنجاز المهمة (أ).
 - بعد أسبوعين: الانتقال إلى المهمة (ب).
 - بعد أربعة أسابيع: إتقان المهمة (ج).
 
يوصي خبراء "هوثويت انترناشيونال" (Huthwaite International) بالتركيز على كل سلوك على حدة، وذلك لبناء الثقة والإحساس بالإنجاز، وتجنب إرباك المتدربين بمطالبتهم بتغيير كل شيء دفعة واحدة، وتوفير الدعم المستمر، خصيصاً في المراحل الأولى من التغيير.
6. ربط البيانات بأهداف الشركة
بعد جمع البيانات وتحليلها، يجب فهمها وتحليل علاقتها بأهداف الشركة؛ إذ لا يتعلق الأمر بتغيُّر سلوك المشاركين على الرغم من أهمية ذلك؛ بل يتعلق بكشف ما إذا كان هذا التغير قد حقَّق فعلاً استراتيجية المؤسسة أو دعَمَ تنفيذها، وهذه النظرة بعيدة الأمد للبرنامج التدريبي.
لا يُفهَم ذلك من خلال الاستبيانات السريعة التي تكشف عن رضى المتدربين في نهاية الجلسة، أو إجراء متابعة سطحية بعد شهر؛ بل نتحدث هنا عن دراسة أثر تستمر لمدة 3-12 شهر.
قيِّم في هذه المرحلة الأثر الحقيقي الذي حققته، والأهم من ذلك القيمة التي أضفتها.

تقدير القيمة
يعتقد بعضهم أنَّ تعريف "القيمة" أمر معقد أو مسألة خاضعة للرأي الشخصي، لكنَّه ليس كذلك؛ بل هي الفائدة المحققة من التغيير مطروحاً منها تكلفة تحقيقه، فحين تفكر بمنطق "طرح التكلفة من الفائدة"، يسهل إثبات أهمية مبادراتك.
توظيف مجموعة ضابطة
للتأكد من أنَّ التدريب أضاف القيمة المطلوبة، استعن بمجموعة ضابطة، بافتراض أنَّ بيئة العمل لم تتغير بين المجموعة (أ) التي شاركَت في البرنامج، والمجموعة (ب) التي لم تشارك، ينبغي أن تقارن بيانات الأداء وإظهار الفرق.
ركِّز على بيانات الأداء، فإذا كان الأمر يهم المؤسسة، فستكون بالفعل تجمع بيانات حول مدى جودة الأداء، وتكراره، وكميته، وإذا لم تُحدث فرقاً ملموساً في هذه المؤشرات، لا تتوقع تلقِّي الدعم من المؤسسة.
في الختام
لا تحدد جميع المؤسسات البيانات التي تحتاج إليها أو المؤشرات التي تعكس الأداء العالي أو تكشف عن جوانب القصور، فكثير منها يقع ضحية التركيز على ما يسهل تقييمه بدلاً من تقييم الأمور الهامة فعلاً.
إذا انطبَقَ هذا على مؤسستك، فمن الضروري إجراء تغيير ما، وهذا يعني الشروع في مشروع جديد يؤدي فيه الموظفون مهام مختلفة وبطرائق مختلفة.
هذا المقال من إعداد المدرب أحمد الخطيب كوتش معتمد من ولفا أكاديمي