يتزايد الاعتماد على نظام العمل عن بعد في الوقت الحالي وأصبح الذكاء العاطفي مهارة ضرورية للتعامل مع هذه النقلة النوعية. لقد أدى الانتقال لبيئات العمل الرقمية إلى تزايد صعوبة التواصل، والتفاعل بين أعضاء الفريق، وتطبيق الممارسات القيادية، وهنا برز الذكاء العاطفي بوصفه الحل الأمثل لتحسين جودة التواصل وتعزيز فعالية العمل في البيئات الافتراضية.
مفهوم الذكاء العاطفي
لا يعبر الذكاء العاطفي فقط عن القدرة على إدراك العواطف الذاتية وضبطها، بل إنه يقتضي تفهم مشاعر الآخرين والتأثير فيها. اكتسب مصطلح "الذكاء العاطفي" شهرة كبيرة بعد أن أصدر الكاتب "دانييل جولمان" (Daniel Goleman) كتاب "الذكاء العاطفي"(Emotional intelligenceُُُ) في عام 1995.
يتضمن مفهوم الذكاء العاطفي الوعي والانضباط الذاتي، والدافع الداخلي، والتعاطف، والمهارات الاجتماعية، حيث يشكل الوعي الذاتي أساس الذكاء العاطفي وهو يمكِّن الإنسان من إدراك عواطفه وفهم آلية تأثيرها على أفكاره وسلوكياته.
هذا الإدراك ضروري لتعزيز الانضباط الذاتي الذي يمثل قدرة الفرد على كبح العواطف المؤذية والتكيف مع تغيُّر الظروف.
أما بالنسبة للتعاطف، فإنه يعبر عن القدرة على فهم مشاعر الآخرين وهنا تكمن أهميته في التواصل الفعال وإدارة العلاقات، وهو لا يقتصر على إبداء الشفقة فحسب بل إنه يُعنى بإدراك الحالة العاطفية للآخرين. يؤثر التعاطف على الممارسات القيادية، وتفاعلات أعضاء الفريق، والعلاقات الشخصية.
تتيح هذه المهارات للأفراد إمكانية التعامل مع تعقيدات التفاعلات الاجتماعية، وتعزيز قدرتهم على التعاون، وبناء العلاقات المثمرة على كل من الصعيدين الشخصي والمهني.
تفسير علم الأعصاب لمفهوم الذكاء العاطفي في التواصل عن بعد
يشغل الذكاء العاطفي مجموعة من المناطق والوظائف الدماغية، وتزداد هذه التعقيدات والتداخلات في حالة التفاعلات عبر الإنترنت. يعتمد الدماغ في الأحوال العادية على مجموعة من الإشارات التي تصدر عن لغة الجسد، وتعبيرات الوجه، ونبرة الصوت، والتلامس الجسدي لتأويل الكلام وإدراك العواطف.
تتعاون مجموعة من المناطق الدماغية على تأويل الإشارات غير اللفظية، حيث تقوم اللوزة الدماغية بمعالجة العواطف، وتتولى القشرة الجبهية مسؤولية اتخاذ القرارات وإدارة السلوكيات الاجتماعية، كما تنشط الخلايا العصبية المرآتية التي يُطلَق عليها اسم "خلايا التعاطف" عند القيام بعمل ما أو مشاهدة شخص آخر يقوم به مما يساعد الفرد في فهم الآخرين والتعاطف معهم.
لا تتيح البيئات الافتراضية إمكانية إدراك هذه الإشارات حتى عند استخدام وسائل الاتصال المرئي التي تقدم إشارات محدودة مقارنةً مع التفاعلات على أرض الواقع.
لا يمكنك أن تعرف عندما يغير الطرف المقابل وضعية جلوسه على سبيل المثال، وقد تحدث بعض التحريفات والتأخيرات في الإشارات البصرية أو السمعية وتؤدي إلى حصول خلل في التواصل والتفاهم بين الطرفين.
يضطر الدماغ في هذه الحالة لبذل مجهود إضافي لتعويض المعلومات الناقصة وتأويل عواطف الطرف المقابل. بالتالي، يجب تكييف مهارات الذكاء العاطفي مع معطيات البيئة الرقمية وذلك عبر تركيز الانتباه على الإشارات المتوفرة مثل تغيُّر نبرة الصوت وتعابير الوجه.
أي يجب تدريب الدماغ على التقاط وتأويل الإشارات المحدودة المتوفرة في البيئة الرقمية من أجل تعزيز فعالية التواصل والحفاظ على الترابط العاطفي الذي يؤدي دوراً بارزاً في نجاح عمل الفريق والممارسات القيادية في نظام العمل عن بعد.
5 إستراتيجيات لتعزيز الذكاء العاطفي في بيئات العمل الافتراضية
1. الإصغاء الفعال
يقتضي الإصغاء الفعال في الاجتماعات الافتراضية إدراك العواطف والنوايا الكامنة خلف الكلام. تتيح وسائل الاتصال المرئي إمكانية ملاحظة تعابير الوجه وإشارات لغة الجسد بشكل مشابه للتفاعل على أرض الواقع.
2. الاستعلام عن الوضع العاطفي
يمكن بدء الاجتماع بالاستعلام عن الحالة العاطفية للمشاركين، وتقديم الدعم النفسي والمساندة اللازمة. تساعد هذه الطريقة في بناء الروابط وتعزيز القدرة على التعاطف.
3. التأكيد على أهمية الوضوح
يجب التشديد على أهمية التعاطف والوضوح في التواصل، وهذا يتطلب في حالة التواصل الكتابي على سبيل المثال التركيز على الدقة، والاقتضاب، والوضوح لنقل شعور التعاطف للطرف المقابل.
4. ترسيخ ثقافة الثقة والشفافية
توفير بيئة تتيح لأعضاء الفريق إمكانية مشاركة أفكارهم ومشاعرهم بأريحية وأمان، حيث تساعد هذه الشفافية في إدراك العواطف المكبوتة ومعالجة المشكلات قبل أن تتأزم وتخرج عن السيطرة.
5. التغذية الراجعة الدورية
التغذية الراجعة الدورية ضرورية لمعرفة رأي أعضاء الفريق بأسلوب التواصل والقرارات، وهو ما يسهم في تعزيز الوعي الذاتي الذي يُعتبَر أساس الذكاء العاطفي.
في الختام
يؤدي الذكاء العاطفي دوراً بارزاً في زيادة انسجام الموظفين وفعالية العمل المشترك في البيئات الرقمية. تتيح مهارات الذكاء العاطفي لكل من القادة وأعضاء الفريق إمكانية إنشاء بيئة عمل افتراضية تساعد في تعزيز الإنتاجية والرضا العاطفي. يعتمد نجاح واستمرارية المؤسسات في ظل هذه النقلة النوعية على مهارات الذكاء العاطفي في البيئات الرقمية.