English

أهمية المرونة في القيادة خلال الأزمات

يجب أن يتمتع القادة بالمرونة خلال الأزمات؛ لأنَّها تجسيد للسمات اللازمة للتغلب على التحديات بفعالية، ولعلَّ أهم سمة للقائد المرن هي القدرة على التكيف أمام التغيرات، وتعديل الاستراتيجيات استجابة للظروف، فيكسب بذلك ثقة أعضاء الفريق. يصل هذا النوع من القادة بالشركات إلى برِّ الأمان في الأزمات.

المرونة في القيادة

يُعدُّ الذكاء العاطفي من السمات الأخرى للقادة المرنين، وهو يعني القدرة على إدراك عواطفك وعواطف الآخرين وفهمها وإدارتها. يحافظ القادة الأذكياء عاطفياً على هدوئهم تحت الضغط، ويتفهَّمون الحالات العاطفية لفريقهم، ويقدِّمون لهم الدعم والتوجيه والتشجيع اللازم، وهو أمر ضروري لرفع الروح المعنوية خلال الظروف العصيبة.

يتَّسم القادة المرنون بالحزم أيضاً؛ إذ تتطلب الأزمات أحياناً اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة رغم شُحِّ المعلومات، فهُم يُقيِّمون البيانات المتوفرة، ويُقدِّرون المخاطر، ويتَّخذون قرارات مدروسة دون الوقوع في حالة الشلل التحليلي. يخفِّف الحزم التحديات التي تواجه الفريق لضمان استمرارية العمل، ممَّا يعزز ثقتهم في القادة، فتُظهر هذه المواقف اعتمادهم على الأفعال وليس الأقوال حتى في ظلِّ الظروف الصعبة.

يتَّصفون بالقدرة على التكيُّف والذكاء العاطفي والحزم، فتعكس هذه الصفات قوة وثبات القادة في مواجهة الأزمات، وتغرس المرونة في نفوس فِرقهم أيضاً، فيُديرون الأزمات بفعالية، ويوجِّهون مؤسساتهم تجاه النجاح.

استراتيجيات للحفاظ على معنويات الفريق

يحافظ القادة الذين يهدفون إلى التغلب على التحديات بفعالية على معنويات الفريق خلال الأزمات، فمن الهام التشجيع على التواصل المفتوح، وإنشاء بيئة يعبِّر فيها أعضاء الفريق عن أفكارهم واهتماماتهم بصدق، وذلك عبر التواصل معهم دورياً من خلال الاجتماعات الافتراضية أو المحادثات الفردية غير الرسمية، ممَّا يعزز شعور الموظفين بالانتماء. يرفع هذا الحوار المفتوح معنويات الفريق من جهة، ويمكِّن المديرين من اكتشاف المشكلات المحتملة ومعالجتها في وقت مبكِّر من جهة أخرى.

يجب إرساء ثقافة إيجابية في مكان العمل للحفاظ على معنويات الفريق، لا سيما خلال الأزمات، ونشر القيم مثل، الاحترام والتعاون والتقدير، وإطلاق مبادرات ونشاطات لبناء الفريق، سواء عبر الإنترنت أم على أرض الواقع، لتقوية الروابط بين أعضاء الفريق. كما أنَّ تقدير إنجازات الأفراد والفرق مهما كانت بسيطة، يعزز دوافعهم ويشجِّع العمل الجماعي.

يوفِّر القادة الدعم والموارد عبر تقييم احتياجات فريقهم وتقديم الأدوات أو المساعدة اللازمة مثل توفير خدمات الصحة النفسية، أو ساعات عمل مرنة، أو فرص للتدريب، فتُظهر هذه التدابير اهتمام القادة بسلامة الموظفين، ممَّا يرفع معنوياتهم.

يخفف تشجيع الموظفين على التعاون في المشروعات مشاعر العزلة التي قد تجتاحهم خلال الأوقات العصيبة، ويساعد تعزيز الشعور بالمسؤولية أعضاء الفريق على التركيز على الأهداف المشتركة، ممَّا يُنشِئ بيئة داعمة تزدهر وسط الشدائد.

تعتمد القيادة الفعالة في الأزمات على الأساليب الاستراتيجية لرفع معنويات الفريق، فيستطيع القادة مساعدة الفرق على التغلب على التحديات بمرونة وقوة عبر التواصل المفتوح، وإرساء ثقافة إيجابية في مكان العمل، وتوفير الدعم اللازم.

دراسة حالات حول المرونة في القيادة

تُظهر عدد من دراسات الحالة كيف نجح القادة المرنون في اجتياز الأزمات. يُذكَر من أمثلة ذلك قصة الرئيس التنفيذي السابق لشركة "يونيليفر" (Unilever) "بول بولمان" (Paul Polman)، خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، فهو عانى من انخفاض المبيعات وعدم استقرار السوق، وبدلاً من الاستسلام للضغوطات المؤقتة، تبنَّى رؤية طويلة الأجل لشركة "يونيليفر"؛ إذ غيَّر استراتيجية الشركة، مركِّزاً على الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية.

أصبحت "يونيليفر" أقوى من ذي قبل، خاصة مع تزايد توجُّه المستهلكين لِلعلامات التجارية التي تلتزم بالأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية. تُثبت هذه الحالة كيف تؤدي المرونة في القيادة والالتزام بالقِيَم إلى التغلب على الأزمات.

من الأمثلة المؤثرة أيضاً عن القيادة المرنة استجابة الدكتور "أنتوني فاوتشي" (Anthony Fauci)، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية (National Institute of Allergy and Infectious Diseases)، لجائحة كوفيد-19 (Covid-19)، فهو قدَّم معلومات علمية وواقعية للجمهور حول الجائحة على الرغم من مواجهة ضغوطات سياسية واجتماعية. أدَّت قدرته على غرس الثقة في نفوس الناس واتخاذ قرارات صعبة فيما يتعلق بتدابير الصحة العامة، إلى استجابة المجتمع والامتثال للإجراءات التي فرضها، ممَّا يُثبت أهمية التواصل الفعَّال في أوقات الأزمات.

أمَّا مثالنا الأخير، فهو عن الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت" (Microsoft) "ساتيا ناديلا" (Satya Nadella)، الذي قادَ الشركة خلال التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد-19. أدركَ الحاجة الملحَّة للعمل عن بُعد، وسرَّع عملية تطوير ونشر برنامج "مايكروسوفت تيمز" (Microsoft Teams)، فساعد ذلك الشركات التي كانت تنتقل إلى العمل عن بُعد، وأسهمَ في استمرارية "مايكروسوفت" بوصفها شركة رائدة في مجال التقنيات التعاونية. يُظهر نهج "ناديلا" وقدرته على التكيف تحت الضغط كيف يستطيع القادة المرنون تحويل التحديات إلى فرص للنمو والابتكار.

توضِّح دراسات الحالة هذه مدى مرونة هؤلاء القادة، وتؤكد أهمية الرؤية طويلة الأمد، والتواصل الفعال، والقدرة على التكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة، ممَّا يُلهِم القادة ويقدِّم لهم دروساً قيِّمة تفيدهم في مسارهم القيادي.

المرونة في القيادة

أمثلة واقعية وتأملات شخصية

يتجلى جوهر القيادة المرنة من خلال أمثلة من الحياة الواقعية وتأملات شخصية تسلِّط الضوء على كيفية تعامل القادة المرنين مع الأزمات. يُذكَر من أمثلة ذلك الدور الهام الذي أدَّاه الجرَّاح والخبير في الصحة العامة "أتول قواندي" (Atul Gawande) في تحسين استجابة المستشفى لجائحة كوفيد-19. شجَّع عبر تواصله مع الموظفين والمرضى على المصداقية، وعزَّزَ الثقة في نفوسهم، وأكَّد أهمية المرونة عبر تطبيق إجراءات فعالة وطلب التغذية الراجعة من العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية، مما حسَّنَ رعاية المرضى.

من الأمثلة البارزة أيضاً وخاصة خلال الأزمة المالية عام 2008، هو تركيز "ساتيا ناديلا" على تنمية عقلية النمو في شركة "مايكروسوفت"، والذي شجَّع على الابتكار وتمكين الموظفين بدلاً من مجرد الاستجابة لمتطلبات السوق، ونشر المرونة في الثقافة التنظيمية عبر تشجيع التعاون بين الفِرق ومناقشة التحديات بصدق. تغيَّرت شركة "مايكروسوفت" بفضل قيادته، وأصبحت أقوى من ذي قبل، لتكون مثالاً تقتدي به المؤسسات التي تواجه الشدائد.

توفر التأمُّلات الشخصية أفكاراً هامة حول تعزيز المرونة، فمثلاً بعد مواجهة اضطرابات تشغيلية كبيرة، تبنَّى عدد من المديرين التنفيذيين مبدأ القيادة بوعي. أكَّد قادة مثل "راي داليو" (Ray Dalio) أهمية المصداقية والتواصل المفتوح بين الفِرق، ودعا إلى إجراء مناقشات صادقة حول النكسات وفرص التعلم.

تتيح مثل هذه الممارسات للقادة التكيف مع الظروف المتغيرة بسرعة، وتلهم فرقهم للتعامل مع التحديات بمرونة.

في الختام

تؤكِّد هذه الأمثلة الدور الهام الذي يؤديه القادة المرنون في تعزيز الشعور بالمسؤولية والقدرة على التكيف في منظماتهم. يجب على جميع القادة التعلم من هذه التجارب، واستخدام الاستراتيجيات في ممارساتهم، لإنشاء بيئات عمل تتَّسم بالمرونة.

آخر المقالات

كن على اطلاع بأحدث الأخبار

اشترك الآن لتحصل على أحدث المقالات والأبحاث والمنتجات التي تجعلك أقوى من أي وقت مضى