English

4 عناصر للسرد القصصي في القيادة

السرد القصصي في القيادة ليس مجرد حكاية تُروى، بل أداة فعّالة تُلهم وتُحفّز وتُوجّه. في هذا السياق، تبرز أربعة عناصر جوهرية تشكّل العمود الفقري لأي قصة قيادية مؤثرة.

أهمية السرد القصصي في القيادة

تكمن القيادة في القدرة على التواصل مع الآخرين، وسواء أكان الهدف تحفيز الفريق على تحقيق أهدافه، أم إرشادهم في الأوقات العصيبة، يبقى السرد القصصي أداة فعالة لإلهام الفريق وكسب ولائه؛ لأنَّ القصص تلمسنا على مستوى إنساني عميق، فهي لا تتعلق بالمعلومات والحقائق فحسب؛ بل تمنح القادة القدرة على تبسيط الأفكار المعقدة وترسيخها في أذهان الآخرين، فعندما يشارك القائد قصة، لا ينقل أفكار ومعلومات مجردة؛ بل يُنشِئ تجربة مشتركة تعزز الثقة والألفة بين أعضاء الفريق.

تصبح هذه القصص جزءاً من هوية الفريق والمؤسسة، وتبقى في الذاكرة وتلهم الآخرين، فهي ليست وسيلة للتواصل فقط؛ بل أداة لإرساء الثقافة، وترسيخ القِيَم، وتوجيه قادة المستقبل.

كيفية صياغة قصص جذابة

لا يكفي أن تروي قصة فحسب لصياغة رواية قيادية مؤثرة؛ بل يجب أن يكون سرداً مناسباً يُروى بالطريقة المناسبة كي يلهم الفِرَق ويحفزهم، ولتحقيق ذلك، حدِّد الغاية من سردها، فكل قصة يجب أن تحمل رسالة تتوافق مع أهداف القائد، ولتكن تعزيز رؤية الشركة، أو غرس قيمة محددة، أو رفع معنويات الفريق في الأوقات العصيبة.

اجعل القصة شخصية، فالقصص التي تنبع من تجاربك الحقيقية تترك أثراً أقوى لكونها صادقة وقريبة من الناس، مثل مواقف مررت بها، أو صعوبات تغلبت عليها، بالتالي يمكنك مثلاً أن تروي تجاربك مع عملاء من خلفيات مختلفة لتوضيح قيمة التكيف والمرونة؛ إذ تشدُّ هذه الأمثلة الواقعية الانتباه من جهة، وتُقدِّم دروساً يستفيد منها الفريق من جهة أخرى.

أنشِئ مخططاً لسرد القصة من خلال البدء بمقدمة تجذب المستمعين، وحبكة تطرح التحدي، ونهاية تقدِّم الحل أو الخلاصة؛ لأنَّ هذا التسلسل في السرد، يحافظ على تفاعل المستمع، ويضمن وصول الرسالة بوضوح وعمق.

ما الذي يجعل القصة لا تُنسى؟

في عالم الأعمال السريع والمليء بالمعلومات، لا تترسخ كل قصة في الذاكرة، فكيف يضمن القادة إذاً أن تترك رواياتهم أثراً طويل الأمد؟

يكمن السر في العواطف، فالقصص التي تُحرك مشاعر محتدمة كالإلهام، أو التعاطف، أو حتى الفكاهة، غالباً ما تُحفر في الذاكرة، كما تلقى القصص التي تتناول النجاحات والإخفاقات صدى عميقاً لدى الفِرق، فهي تذكِّر أنَّ القيادة ليست ببلوغ الكمال؛ بل بالاستمرار في التعلم، والنمو، والثبات وسط التحديات.

تُستخدَم الصور الذهنية والشخصيات لجعل القصة مؤثرة أكثر، يمكن مثلاً عند التحدث عن المفاهيم القيادية، استخدام استعارات أو مواقف حقيقية تُجسِّد الأفكار، كتشبيه القيادة بتسلُّق جبل، الأمر الذي يحوِّل المفاهيم المعقدة إلى مشاهد ملموسة يسهل فهمها وتذكُّرها.

يؤدي التكرار والتأكيد على الأفكار دوراً هاماً أيضاً، وذلك من خلال مراجعة القصص البارزة في الاجتماعات، أو ورشات العمل، أو حتى المحادثات بهدف ترسيخ المعاني والقِيَم التي تود غرسها في الفريق.

العناصر الأساسية في قصص القيادة

1. بطل يشبه المستمعين

لكي تلامس القصة الفريق، يجب أن يجدوا فيها شخصية تمثِّلهم، وقد يكون هذا البطل هو القائد نفسه، أو أحد أعضاء الفريق، أو حتى عميل من الخارج، ما يهمُّ هو أن تعكس الشخصية الرئيسة مشاعرهم أو تحدياتهم أو طموحاتهم، فهذا التماهي يُضفي على القصة طابعاً شخصياً يجعلها أكثر عمقاً وتأثيراً.

2. وجود تحدٍ أو صراع

تتمحور كل قصة حول عقبة أو أزمة، فهذا التحدي هو ما يُحرِّك القصة ويُبقي المستمع مشدوداً، ففي سياق القيادة، قد يكون هذا التحدي قراراً صعباً، أو عقبة في المشروع، أو مقاومة للتغيير، فمن الهام أن يشعر أعضاء الفريق أنَّ القصص قريبة من واقعهم، وتمس ما يواجهونه في عملهم اليومي.

3. نهاية مدروسة تحمل رسالة

يجب أن تتضمن النهاية درساً أو قيمة تتوافق مع أهداف الفريق وقِيَمه من خلال تعلُّم البطل شيئاً جديداً، أو تجاوز عقبة، أو تحقيق إنجاز، بالتالي يجب أن يخدم هذا العنصر الرسالة التي تريد إيصالها للفريق بوصفها أهمية التعاون، أو فعالية المثابرة، أو تأثير الابتكار.

4. دعوة للعمل

يجب أن تلهم القصة القيادية المميزة الفريق وتدفعه تجاه العمل؛ إذ يجب أن تُنهي القصة بدعوة للعمل تحفز الفريق على إنهاء مشروع معقد، أو تنفيذ استراتيجية جديدة، أو تطبيق سلوك معيَّن.

السرد القصصي في القيادة

كيف يعزز السرد القصصي ثقافة الفريق؟

ثقافة الفريق هي أساس نجاح المنظمات، ولكن كيف يمكن أن تشكِّل القصة هذه الثقافة وتعززها؟

1. ترسيخ القِيَم المشتركة

عندما يشارك القادة قصصاً تعكس قِيَم المؤسسة ورؤيتها، فإنَّهم يرسون سلوكات معيارية مشتركة، فحين تروي حكايات عن نجاح عميل بفضل التزام الفريق بالتميز أو الابتكار، إنَّك تحتفي بالإنجازات، وتؤكد على المعايير الرفيعة التي تسعى دائماً لتحقيقها.

2. تعزيز الشعور بالانتماء والشمولية

حين يُصغي أعضاء الفريق إلى قصص زملائهم وتجاربهم، تنشأ فرصة حقيقية لتجاوز الحواجز وتعزيز ترابط الفريق؛ إذ تسهم مشاركة القصص من أقسام المؤسسة ومستوياتها المختلفة في تعزيز التواصل، وتقريب وجهات النظر، وهذا يُنتِج فريق متماسك، وبيئة عمل يسودها التعاون والدعم المتبادل.

3. تمكين قادة المستقبل

يُعد استخدام السرد القصصي في برامج التطوير القيادي وسيلة فعالة لبناء جيل جديد من القادة، فحين تشجع القادة الجدد على مشاركة قصصهم الشخصية، تمنحهم مساحة لاكتشاف أسلوبهم المخصص في القيادة، فمن المفيد إضافة تمرينات السرد إلى ورشات العمل القيادية، عن طريق دعوة المشاركين إلى استعراض تجاربهم والتأمل في الدروس التي استخلصوها منها؛ إذ تحسِّن هذه الممارسات مهارات التواصل، وتعزز ثقة هؤلاء القادة بأنفسهم.

الأخطاء الشائعة التي يجب تجنبها في سرد القصص القيادية

يُعَد السرد القصصي أداة فعالة في القيادة، ولكن يجب استخدامه بوعي وحذر، فهناك بعض الأخطاء الشائعة التي ينبغي على القادة تجنبها عند توظيف القصص في أسلوبهم القيادي.

أول هذه الأخطاء هو إغفال المصداقية، فإذا بدت القصة مفتعلة أو بعيدة عن تجاربك الحقيقية أو لا تنسجم مع قِيَم المنظمة، فقد تأتي بنتائج عكسية؛ لأنَّ المصداقية هي أساس الثقة بين القائد وفريقه؛ لذا من الضروري أن تنبع القصص من واقعك الحقيقي وتعكس قناعاتك الصادقة.

يتمثل الخطأ الثاني في الإفراط في استخدام القصص، فعلى الرغم من تأثيرها الكبير، إلَّا أنَّ استخدامها المفرط قد يُفقدها قوتها ويجعلها تفقد بريقها، فمن الأفضل انتقاء اللحظات المناسبة لسرد القصص لكي تكون مناسبة للموقف، وتعزز الرسائل الجوهرية التي تريد إيصالها، أمَّا الخطأ الثالث، فهو تجاهل الجمهور.

لا تناسب كل قصة المستمعين، ولهذا يجب أن تكون القصص مصممة بعناية لتتناسب مع خلفيات الفريق واهتماماته وتحدياته، وكلما كانت القصة أقرب لواقع الفريق، زاد تأثيرها وفعاليتها.

في الختام

لا يُعد السرد القصصي مجرد وسيلة تواصل؛ بل هو أداة للإلهام، والتحفيز، وبناء روابط وثيقة مع الفريق، فمن خلال مشاركة قصص صادقة وهادفة، يرسِّخ القادة ثقافة فريق قوية، ويعزز القِيَم المشتركة، ويدفع فِرَقهم تجاه إنجازات متميزة.

تغير القصة المُتقنة طريقة تفكير الأفراد؛ بل وتُحدث تحولاً في مسار منظمات كاملة؛ لذا وبينما تمضي قدماً في رحلتك القيادية، تذكَّر أنَّ القصص هي من أفضل الوسائل التي تملكها؛ لذا استخدمها بحكمة، ودعها تكون الدافع الذي يرتقي بفريقك إلى آفاق جديدة.

آخر المقالات

كن على اطلاع بأحدث الأخبار

اشترك الآن لتحصل على أحدث المقالات والأبحاث والمنتجات التي تجعلك أقوى من أي وقت مضى