كنتُ محظوظة بما يكفي لوجود بعض المديرين الرائعين في حياتي المهنية طوال مسيرتي المهنية في مجال التكنولوجيا، ولقد تعجَّبتُ كثيراً من قدرتهم الفائقة على الحفاظ على لباقتهم وهدوئهم في المواقف الصعبة أو عند العمل مع أعضاء الفريق صعبي المراس.
ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "مريم عمر" (Maryam Umar)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها الشخصية مع الكوتشينغ.
عندما أصبحتُ مديرة، كنت أسعى لتعلُّم كيف أُصبح قائدة أفضل، وأبني فِرقاً ناجحة قادرة على إحداث تأثير في المنظمة، واكتشفْتُ أنَّ الكثير من الأشخاص يطوِّرون نقاط قوتهم القيادية من خلال الكوتشينغ.
من الصعب تحديد صفات القائد الناجح؛ لأنَّها تختلف من شخص لآخر، وفي رأيي إنَّ القائد الناجح يُصغي بعناية، ويتمتَّع بالشفافية، ويؤسِّس ثقافة قائمة على التغذية الراجعة، ويرى نفسه في دورٍ داعمٍ لتمكين الفريق من النجاح.
إنَّ اكتساب هذه الصفات ليس مستحيلاً، ولكنَّه قد يكون صعباً عندما تدير فريقاً مشغولاً،. أنت بحاجة إلى إيجاد الوقت والطاقة بين اللقاءات الفردية التي لا نهاية لها، والاجتماعات، ورسائل البريد الإلكتروني، ومناقشات الاستراتيجية، وغير ذلك.
يبرز هنا دور الكوتشينغ، وسأُشارككم هنا مقدِّمة مختصَرَة عن الكوتشينغ، وسأُخبركم كيف سمحَتْ لي ثلاثة أنواع مختلفة هي الكوتشينغ المهني، وكوتشينغ الحياة، والكوتشينغ الشخصي، بتحقيق أهدافي، واكتساب مزيد من الطاقة، وأن أكون قائدة أفضل.
تعريف الكوتشينغ
الكوتشينغ هو عملية تدريب، أو دعم، أو إعداد الآخرين لمواجهة تحدٍ أو مجموعة من التحديات. يتمثَّل التحدي في حالتنا في اكتشاف وصقل نقاط القوة التي تساعدنا على أن نصبح قادة أفضل.
إذا كنت تفكِّر في الكوتشينغ، فهناك بعض الأشياء الهامة التي يجب أن تكون على دراية بها:
- يُشعِركَ الكوتشينغ بعدم الارتياح؛ لأنَّه قد يتطرَّق إلى المشاعر التي تتجنَّبها.
- لن يشارك الكوتش تجاربه الخاصة، ويتمثَّل دوره في الإصغاء وتحديد نقاط قوتك.
- سيُطلب منك تحديد الأهداف وتذكيرك بها باستمرار (هذا أمر جيِّد).
- قد تنتهي عملية الكوتشينغ فجأة إذا شعَرَ الكوتش أو متلقِّي الكوتشينغ بعدم إحراز أي تقدُّم.
- يجب على متلقِّي الكوتشينغ تخصيص الوقت للقيام ببعض الواجبات المنزلية، مثل القراءة أو إكمال بعض تمرينات الكوتشينغ في المنزل.
- يجب على متلقِّي الكوتشينغ البحث عن كوتشز عملوا مع أشخاص في منصب مماثل، مثلاً في الصناعة نفسها أو بمستوى مماثل من الخبرة، وهذا يمكن أن ينطبق على أي نوع من الكوتشز.
أنواع الكوتشينغ الثلاثة
لقد حدَّدنا الآن ماهية الكوتشينغ بمعناه الأوسع، فلنتعمق في الأنواع الثلاثة المختلفة، لأنَّ رحلتي في مجال الكوتشينغ كانت متعددة الأوجه، وتضمَّنت العمل مع ثلاثة كوتشز مختلفين:
1. الكوتشينغ المهني
يعمل الكوتش المهني معك لتحديد الأهداف المهنية وتحقيقها، ويحرص الكوتش على أنَّك لن تحيد عمَّا تحاول تحقيقه، فقد تكون المتابعة المنتظمة ومناقشة الجوانب التي تعوق حياتك المهنية مع شخص يصغي بعناية أمراً مفيداً للغاية.
التقيتُ بالكوتش المهني أول مرة في دورة تدريبية خارجية حول القيادة، ووجدتُ أنَّ بيننا أُلفة، فتواصلتُ معه، وسألْتهُ ما إذا كان يرغب في تقديم جلسات كوتشينغ فردية لي، وقد غطَّت حصة التدريب من ميزانيتي التكاليف، وجهَّزتُ التغذية الراجعة التي تلقيتها خلال مراجعات الأداء للتَّحضير لجلساتي، بالإضافة إلى بعض الأهداف المهنية الشخصية.
2. كوتشينغ الحياة
يساعدك كوتش الحياة على فهم التحديات في حياتك الشخصية والتغلب عليها. في الوقت نفسه الذي بدأت فيه مقابلة كوتش مهني، وفَّقتُ بين الكثير من الأشياء في حياتي، وكنت بحاجة إلى شخص ما لمساعدتي على فهم سبب الشعور بعدم التوازن.
ساعدني كوتش الحياة كثيراً، ولقد بدأنا باستكشاف حدودي، وكيف أتصرف عندما أتجاوزها، وناقشْنا أيضاً كيفية تجنُّب مصادر الضغط لكي أكون مثالية في عملي وحياتي، واكتشفْنا كيفية استجابة جسدي في المواقف العصيبة أو الإيجابية أو المثيرة.
لم يحسِّن بناء هذا المستوى من الوعي الذاتي حياتي الشخصية فحسب؛ بل جعَلَني أيضاً قائدة أكثر فعالية. أنا الآن أكثر وعياً بردود أفعالي وإجاباتي، خاصة في المحادثات والقرارات الصعبة، ولقد أصبحتُ أكثر وعياً بنفسي وبالفريق الذي أدعمه وأتواصل معه.
3. الكوتشينغ الشخصي
يساعدك الكوتش الشخصي على إحراز تقدُّمٍ في أهداف اللياقة البدنية، فعندما بدأتُ لقاء كوتش شخصي منذ عامين، كان هدفي بسيطاً ألا وهو بناء القدرة على التحمُّل البدني التي من شأنها أن تؤثر تأثيراً مباشراً في قوَّتي العقلية، وهذا بدوره سيساعدني على إدارة التوتر خلال الأوقات الصعبة في العمل.
ليس بالضرورة أن يأخذ الكوتشينغ الشخصي في الحسبان تغيير مظهرك، وأكبر مكافأة هي التأثير في التركيب الكيميائي لعقلك عن طريق إطلاق الدوبامين، والسيروتونين، والإندورفين؛ لأنَّ الدوبامين يزيد التحفيز، ويساعد السيروتونين على الشعور بالرضى والمكافأة، ويثير الإندورفين مشاعر السعادة.
تخلق هذه الهرمونات مجتمعة عقلية إيجابية، وعندما نشعر بإيجابية تجاه أنفسنا، نكون أقدر على الشعور والتصرف بإيجابية تجاه مَن حولنا، بما في ذلك فريقنا.
الجمع بين أنواع الكوتشينغ الثلاثة
ربَّما تتساءل مَن لديه الوقت لكلِّ هذه الأنواع من الكوتشينغ، ولكن في الواقع، قد يساعدك الجمع بين هذه العناصر الثلاثة على الحصول على مزيد من الطاقة، والبقاء على المسار الصحيح، وإحراز مزيد من التقدُّم في أهدافك. إذا كنت تقود فريقاً، فإنَّني أوصي بتلقِّي نوعَين من الكوتشينغ على الأقل من أصل ثلاثة، وفيما يأتي بعض المجموعات التي تعمل جيداً معاً:
الكوتشينغ الشخصي والكوتشينغ المهني
قد يكون التمرين جنباً إلى جنب مع الكوتشينغ المهني مزيجاً رائعاً، وغالباً ما يجعلنا الضغط الذي نتعرض له في وظائفنا نشعر بالإرهاق العاطفي، وهذا قد يجعل الكوتشينغ المهني صعباً؛ لأنَّنا قد نفتقر إلى الطاقة اللازمة للقراءة والتمرينات والتأمل الذاتي اللازم بين الجلسات.
يساعدنا وجود كوتش شخصي لمحاسبتنا على ممارسة التمرينات البدنية إلى حدٍّ بعيد، فقد تساعد التمرينات البدنية في التغلب على الاستنزاف العاطفي الناجم عن العمل، وهو ما يعني بدوره أنَّه يمكننا خوض تجربة كوتشينغ مهني أكثر إيجابية. عندما ننشغل جداً بوظائفنا، غالباً ما ننسى مسألة التغذية، وهنا يذكِّرنا الكوتش الشخصي بضرورة الحفاظ على صحتنا.
كوتشينغ الحياة والكوتشينغ المهني
قد لا تفكِّر بالضرورة في هذا المزيج ولكن من خلال تجربتي، كان مفيداً جداً، فيساعدك كوتش الحياة على اكتشاف أشياء عن نفسك وردود أفعالك تجاه العالم (بما في ذلك العمل). يساعدك الكوتش المهني على تنفيذ حلول عملية تتيح لك تحقيق أهدافك المهنية (أي أن تكون قائداً أفضل)، مثلاً اكتشفتُ أنا وكوتش الحياة أنَّني أشعر بالقلق قبل المحادثات بشأن ضعف الأداء، فعملتُ مع الكوتش المهني بعد معرفة هذا لتحقيق هدفي المتمثِّل في دعم فريقي دعماً أفضل.
لقد وجدنا حلاً يقتضي الاستعداد لإجراء محادثات صعبة في مساحة غير رسمية وأكثر راحة من غرفة الاجتماعات، ممَّا ساعدني أنا وأعضاء فريقي، لأنَّ الوعي الذاتي هو الخطوة الأولى لتطوير الأدوات المفيدة التي نحتاجها لتحقيق أهدافنا المهنية، بدءاً من إدارة القلق والتوتر وعبء العمل إلى التأثير في معنويات الفريق.
في الختام
ليست القيادة للجميع، وتتطلَّب العمل لبناء المرونة. الكوتشينغ هو وسيلة رائعة لتصبح قائداً ناجحاً، فهو يوفِّر لك شبكة خارجية لتبادل الأفكار والترويح عن نفسك خلال الأوقات الصعبة. حدِّدْ وقتاً للتركيز والزَمْه، وكن مرناً بشأن أهدافك؛ إذ يجب أن تتغيَّر أهدافك عندما تتعلم المزيد عن نفسك بوصفك قائداً.
وتذكَّرْ أنَّ القيادة تعني التعلم المستمر؛ لذا احرِصْ دائماً على أن تكون متواضعاً.