في عام 2020، ومع الزيادة الهائلة في عدد مستخدمي منصات مثل زووم (Zoom)، تحوَّل المشهد الرقمي وطريقة تفاعلنا تحولاً جذرياً، وأدركت شركات مثل بافير (Buffer)، التي اعتمدت العمل عن بُعد بالكامل منذ عام 2010، في وقت مبكر أهمية تعزيز الذكاء العاطفي (EI) بين أعضاء الفريق بوصفه عنصراً أساسياً للتعاون الناجح.
أكد جويل غاسكوين (Joel Gascoigne) الرئيس التنفيذي لشركة بافير، على أنَّ التواصل القوي وفهم مشاعر أعضاء الفريق ساهما في تمكينهم من التغلب على تحديات العمل عن بُعد بفاعلية وكفاءة، ففي ثقافة فيها 93% من التواصل غير لفظي، يمنح الذكاء العاطفي الموظفين القدرة على فهم الرسائل الضمنية، وبناء الألفة، وتعزيز التواصل عبر المسافات الافتراضية التي تفصل بينهم.
وفقاً للجمعية الأمريكية للطب النفسي (American Psychological Association)، تشهد أماكن العمل التي تولي الأولوية للذكاء العاطفي زيادة ملحوظة في رضى الموظفين وإنتاجيتهم بنسبة 20%.
عند النظر إلى شركات مثل تريلو (Trello)، نجد أنَّها نجحت في دمج الذكاء العاطفي في العمل عن بُعد، ومن خلال إجراء عمليات تواصل منتظمة واستخدام أدوات تعزز التفاعلات غير الرسمية، مثل استراحات القهوة الافتراضية، تمكنت هذه الشركات من توفير شعور بالانتماء بشكل استراتيجي، وبالنسبة إلى الأفراد الذين يواجهون تحديات مماثلة، فإنَّ التوصية العملية هي تبنِّي أسلوب تواصل شخصي؛ قد يشمل ذلك تخصيص وقت للدردشات الافتراضية غير الرسمية أو تشجيع تقديم تغذية راجعة صريحة وبنَّاءة في اجتماعات الفريق.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ الاستثمار في برامج تدريب الذكاء العاطفي من شأنه تزويد الموظفين بالمهارات اللازمة لإدارة عواطفهم وفهم الآخرين، وهذا يؤدي إلى بيئة عمل عن بُعد مزدهرة ومتناغمة.
استراتيجيات تعزيز الذكاء العاطفي لدى فرق العمل عن بُعد
في عالم أصبح فيه العمل عن بُعد هو القاعدة، تدرك الشركات أهمية الذكاء العاطفي (EI) في تعزيز التعاون والاندماج، فخذ زووم على سبيل المثال، فبعد الطفرة في الطلب خلال الجائحة، بادر قادة زووم إلى تنظيم ورش عمل تدريبية على الذكاء العاطفي لمديريهم، وكانت النتيجة ملحوظة، فقد أفادت الفرق بزيادة قدرها 25% في المعنويات وتحسن كبير في حل النزاعات.
أظهرت هذه المبادرة قوة استثمار الذكاء العاطفي في مكان العمل الرقمي؛ من خلال السماح لأعضاء الفريق بالتعبير عن مشاعرهم وإحباطاتهم، أنشأت زووم بيئة داعمة، وبالنسبة إلى الشركات التي تسعى إلى تكرار هذا النجاح، فإنَّ تنفيذ عمليات التواصل المنتظمة وجلسات التغذية الراجعة قد يكون خطوة تحويلية، ولقد شجَّع أعضاء الفريق على مشاركة مشاعرهم عن تحديات العمل، وهذا يوفر خطوط تواصل مفتوحة تعزز العلاقات.
مثال آخر مثير للإعجاب يأتي من بافير، وهي منصة لإدارة وسائل التواصل الاجتماعي ازدهرت باستراتيجية العمل عن بُعد في المقام الأول، وإدراكاً منها للتحديات التي تواجه الحفاظ على الروابط العاطفية بين فريقها الموزع، قدمت بافير عمليات تواصل عاطفية، وهي جلسات قصيرة يتشارك فيها أعضاء الفريق قصصهم ومشاعرهم الشخصية.
لم تقتصر هذه الممارسة على بناء الثقة فحسب، بل عززت أيضاً التماسك الاجتماعي، وهذا أدى إلى زيادة مذهلة بلغت 35% في درجات رضى الفريق بشكل عام، وبالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى تعزيز الذكاء العاطفي ضمن فرق العمل عن بُعد، قد يؤدي اعتماد ممارسات مماثلة إلى نتائج رائعة.
استضف تجمعات غير رسمية افتراضية، وشجع على مشاركة الأهداف أو التجارب الشخصية، وأعطِ الأولوية للرفاهية العاطفية في مناقشات الأداء، فقد تؤدي هذه الاستراتيجيات إلى بناء قوة عاملة أكثر اندماجاً، وهذا يعزز في النهاية الإنتاجية والمعنويات في المشهد الرقمي.
أثر الذكاء العاطفي في أداء الموظف واندماجه
قد يؤدي دمج الذكاء العاطفي (EI) في ثقافة مكان العمل إلى تعزيز أداء الموظف واندماجه بشكل كبير، على سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها شركة تالينت سمارت (TalentSmart) أنَّ 90% من أصحاب الأداء العالي يمتلكون ذكاءً عاطفياً عالياً، وهذا يشير إلى وجود صلة مباشرة بين الذكاء العاطفي والإنتاجية.
لنأخذ مثال شركة جونسون آند جونسون (Johnson & Johnson)، فهي تركز برامج التدريب على القيادة على الذكاء العاطفي لتعزيز التواصل والتعاون بشكل أفضل بين الفرق، ونتيجة لذلك، أعلنت الشركة عن زيادة بنسبة 30% في معدلات رضى الموظفين، وعندما يشعر الموظفون بأنَّ الشركة تفهمهم وتقدرهم، فمن المرجح أن يستثمروا في أدوارهم، وهذا يدفع الإبداع والابتكار داخل المنظمة.
مع ذلك، فإنَّ رعاية الذكاء العاطفي ليست مسؤولية الإدارة فقط؛ فهي تتطلب نهجاً شاملاً يشمل جميع مستويات الموظفين، واعتمدت مطاعم مثل زابوس (Zappos) تدريباً شاملاً على الذكاء العاطفي الذي يشجع الموظفين على التواصل مع العملاء على المستوى العاطفي، وهذا أثر بشكل مباشر في المبيعات وولاء العملاء.
لتنفيذ ممارسات مماثلة، يجب على المنظمات أن تفكر في تقديم ورش عمل تعمل على تطوير التعاطف وإدارة التوتر ومهارات التعامل مع الآخرين، إضافة إلى ذلك، يؤدي إنشاء ثقافة تقوم على تقديم تغذية راجعة صريحة إلى تعزيز الوعي الذاتي بين الموظفين، وهذا يسمح لهم باستثمار نقاط قوتهم العاطفية، ومن ثم تعزيز الاندماج والأداء بشكل عام.
أدوات وتقنيات الإدارة الفعالة للأداء عن بُعد
في قلب مركز تقني نابض بالحياة، واجهت شركة ناشئة صغيرة تسمى بافير تحدياً تواجهه معظم فرق العمل عن بُعد: الحفاظ على الاندماج والأداء بين الموظفين الموزعين جغرافياً، ومع اعتمادها نموذجاً للعمل عن بُعد بالكامل، استخدمت أدوات مثل تريلو لإدارة المهام وسلاك (Slack) للتواصل، وهذا ساعد بشكل فعال على كسر الحواجز وتعزيز التعاون.
أفادت بافير بزيادة ملحوظة بلغت 40% في معنويات الفريق بعد تنفيذ عمليات تواصل منتظمة واستخدام مقاييس الأداء للاحتفاء بالإنجازات الصغيرة، وبالنسبة إلى المنظمات التي تسعى إلى محاكاة نجاح بافير، فإنَّ دمج حلقات التغذية الراجعة المنتظمة وتتبع الأداء الشفاف يمكن أن يعزز بشكل كبير تماسك الفريق ومعنوياته.
في الوقت نفسه، اتبعت شركة ديل (Dell) العملاقة متعددة الجنسيات نهجاً مختلفاً، ومع وجود أكثر من 50% من موظفيها يعملون عن بُعد، استفادت من التحليلات المتقدمة لرصد الإنتاجية وتعزيز ثقافة المساءلة، ووجدت ديل أنَّ استخدام مقاييس الأداء لم يحسن الكفاءة فحسب، بل مكَّن الموظفين أيضاً من خلال إشراكهم في تحديد الأهداف وتتبع التقدم.
أفاد 30% من موظفيها العاملين عن بُعد شعورهم بمزيد من الاندماج عندما كان لديهم فهم واضح لتوقعات الأداء، وبالنسبة إلى الشركات التي تتعامل مع حالات مماثلة، فإنَّ الدرس المستفاد هو احتضان مزيج من التكنولوجيا واللمسات الشخصية، مثل الاجتماعات الفردية أو مبادرات تقدير الفريق، لضمان شعور فرق العمل عن بُعد بالتقدير والاحترام بصرف النظر عن مكان وجودهم.
بناء الثقة والتواصل لدى الفرق البعيدة من خلال الذكاء العاطفي
في عام 2021، كشف استطلاع للرأي أنَّ ما يقرب من 60% من العاملين عن بُعد أفادوا بشعورهم بالانفصال عن فرقهم، وهذا أدى إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة معدل الدوران، وعلى سبيل المثال، أدركت شركة بافير، وهي شركة لإدارة وسائل التواصل الاجتماعي، هذا التحدي ونفذت سلسلة من المبادرات التي تركز على تدريب الذكاء العاطفي (EI) لفريقها القيادي.
من خلال تشجيع المديرين على ممارسة التعاطف والإصغاء الفعال، تمكنت بافير من بناء بيئة يشعر فيها أعضاء الفريق بمزيد من التقدير، وكانت النتيجة زيادة كبيرة في درجات اندماج الموظفين وانخفاض ملحوظ في معدلات ترك العمل، وهذا يدل على قوة الذكاء العاطفي في تعزيز التواصل بين العاملين عن بُعد.
بالمثل، اتبعت منظمة العمل عن بُعد غير الربحية (Remote Work Association) نهجاً مختلفاً من خلال تنظيم استراحات القهوة الافتراضية التي شجَّعت على التفاعلات غير الرسمية بين أعضاء الفريق، لم تكن هذه الجلسات منظمة وفق جداول أعمال، بل ركزت على سرد القصص الشخصية، وهذا سمح للموظفين بمشاركة تجاربهم وتحدياتهم خلال الجائحة.
ساعدت هذه الاستراتيجية البسيطة والفعالة على سد الفجوة العاطفية الناجمة عن العمل عن بُعد، وهذا أدى إلى زيادة بنسبة 30% في رضى الموظفين كما ورد في مراجعتها السنوية، وبالنسبة إلى الفرق التي تسعى إلى تعزيز الثقة والتواصل، فإنَّ دمج الممارسات التي تركز على الذكاء العاطفي مثل عمليات التواصل المنتظمة، ونشاطات بناء الفريق، والمنتديات المفتوحة للمشاركة الشخصية يمكن أن يحدث تأثيراً عميقاً في ثقافة مكان العمل.
قياس وتقييم الذكاء العاطفي في مراجعات الأداء
في عالم تهيمن فيه المهارات التقنية غالباً على مراجعات الأداء، بدأت منظمات مثل شركة الشحن العملاقة متعددة الجنسيات يو بي إس (UPS) بإدراك الدور المحوري للذكاء العاطفي (EI) في نجاح الموظفين وثقافة الشركة بشكل عام.
كشفت دراسة أجريت عام 2021 أنَّ الفرق ذات الذكاء العاطفي المرتفع حققت نتائج أفضل بنسبة تصل إلى 30% في التعاون والإنتاجية، ونفذت يو بي إس برنامج تدريب يركز على تعزيز الذكاء العاطفي، وحث الموظفين على المشاركة في ممارسات تأملية تعزز الوعي الذاتي والتعاطف.
لم يؤدِّ هذا التحول إلى تحسين ديناميكيات الفريق فحسب، بل تُرجم أيضاً إلى زيادة ملحوظة في درجات رضى الموظفين، وهذا يؤكد أنَّ رعاية الذكاء العاطفي هي ميزة تنافسية.
بالمثل، أدمجت شركة التأمين العالمية أون (Aon) تقييمات الذكاء العاطفي في برنامجها لتطوير القيادة لفهم أفضل لكيفية تواصل القادة مع فرقهم، وساعد هذا النهج الشركة على تحديد القادة الذين يمكنهم تحفيز فرقهم حتى في الأوقات الصعبة، وهذا أدى في النهاية إلى تحسين معدلات الاحتفاظ بالموظفين بنسبة 15%.
بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى تنفيذ تقييماتهم الخاصة للذكاء العاطفي في مراجعات الأداء، فإنَّ التوصية العملية هي تضمين آليات التغذية الراجعة الشاملة، وهذا يسمح للأقران والرؤساء والمرؤوسين بتقديم رؤى عن الكفاءات العاطفية، ومن خلال تبنِّي هذا المنظور الشامل، يمكن للمنظمات أن تقيس بشكل أفضل المشهد العاطفي لقوة العمل وتطوير استراتيجيات مصمَّمة لتعزيز ثقافة أكثر ذكاء عاطفياً.
في الختام
يؤدي الذكاء العاطفي دوراً محورياً في مجال إدارة الأداء عن بُعد، فهو يمثِّل عاملاً حاسماً يمكن أن يعزز التواصل ويشجع التعاون ويحفز الدافع بين أعضاء الفريق، ومع استمرار المنظمات في اعتماد ترتيبات العمل عن بُعد، فإنَّ القادة الذين يتمتعون بذكاء عاطفي مرتفع يكونون في وضع أفضل للتعامل مع تعقيدات التفاعلات الافتراضية.
من خلال فهم وإدارة مشاعرهم، وكذلك التعاطف مع مشاعر موظفيهم، يمكن للقادة توفير بيئة داعمة تعزز الاندماج وتزيد من إنتاجية الفريق بشكل عام، ولا يقتصر هذا الوعي المتزايد على تعزيز العلاقات الشخصية فحسب، بل يخفف أيضاً من مشاعر العزلة التي كثيراً ما يشعر بها الموظفون في بيئات العمل عن بُعد.
إضافة إلى ذلك، قد يؤدي دمج الذكاء العاطفي في استراتيجيات إدارة الأداء إلى تقدير مساهمات الموظفين، فعندما يعطي المديرون الأولوية للوعي العاطفي والتفاعلات الشخصية، فإنَّهم يوفرون فرصاً لتقديم تغذية راجعة بنَّاءة تدعم النمو الشخصي والمهني.
في سياق العمل عن بُعد، تصبح القدرة على التواصل على المستوى العاطفي لا تُقدَّر بثمن، وهذا يمكِّن القادة من تحديد التحديات المحتملة وتقديم الدعم المناسب، وفي النهاية، تعزيز الذكاء العاطفي داخل الفرق ليس من أفضل الممارسات فقط، بل هو مكون أساسي لتحقيق الأداء المستدام والرضى الوظيفي في مكان العمل الرقمي.