English

تعزيز القيادة عن بُعد والهجينة: استراتيجيات ونصائح للنجاح في عصر جديد

أصبحت بيئات العمل عن بُعد والهجينة واقعاً لا يُنكَر في عالم الأعمال المعاصر؛ إذ تشير الإحصاءات إلى أنَّ ما يزيد عن نصف القوى العاملة في الولايات المتحدة — باستثناء العاملين لحسابهم المخصص — يشغلون وظائف يمكن تأديتها عن بُعد، ووفقاً لتقارير مؤسسة "غالوب" (Gallup)، فإنَّ ما يزيد عن نصف هؤلاء الموظفين، يجمعون بين العمل من المنزل والعمل من المكتب، بينما يعمل قرابة الثلث بالكامل عن بُعد.

لكنَّ الأهم من هذه الأرقام هو التحول في نظرة الموظفين إلى طبيعة العمل: إذ يرى ثلثا العاملين أنَّ القدرة على العمل عن بُعد، تُعد عاملاً حاسماً في اختيار الوظيفة، متقدمة حتى على عوامل تقليدية، مثل الراتب، ومرونة جداول العمل، والتوازن بين الحياة المهنية والشخصية، وهذه المؤشرات ليست فقط واقعاً نعيشه؛ بل نذيراً بما سيغدو القاعدة في مستقبل سوق العمل.

تبرز في ضوء هذا التغيير الجذري ضرورة تطوير المهارات القيادية لتواكب متطلبات هذا السياق الجديد؛ إذ أضحت إدارة الفِرَق عن بُعد أو ضمن نموذج العمل الهجين مهارة قيادية أساسية لا يُستغنى عنها، واليوم أكثر من أي وقت مضى، يُطلب من القادة أن ينظروا في قدراتهم ومهاراتهم، وأن يسعوا جدياً لتطويرها بما يتلاءم مع طبيعة العمل الجديدة، وإذا كنت في بداية تجربتك مع قيادة الفرق الافتراضية، فهذه فرصة ثمينة للتأمل في ممارساتك الحالية، واكتشاف مجالات جديدة للنمو والتغيير.

اطرح على نفسك الأسئلة التالية:

  1. ما القيود التي يفرضها سياق العمل عن بُعد والتي قد تُضعف أسلوب القيادة الذي كان فعالاً في السابق؟
  2. أية عناصر في أسلوبك القيادي واستراتيجياتك ستؤدي الآن دوراً أكبر مما كانت عليه؟
  3. ما الممارسات التي لم تعد تنسجم مع بيئة العمل الجديدة، وتحتاج إلى تعديل أو إعادة تصميم كامل؟

المقارنة بين العمل عن بُعد كلياً والنموذج الهجين

لا يتخذ العمل عن بُعد شكلاً واحداً؛ بل يتفرع إلى أنماط متعددة تؤثر تأثيراً مباشراً في آليات الإدارة وطرائق القيادة، فحين يعمل الفريق بالكامل عن بُعد، تكون إدارة الفريق أسهل نسبياً؛ إذ يتشارك الجميع الظروف والفرص نفسها، مما يعزز الشعور بالمساواة والانتماء.

تُعد بيئات العمل الهجينة — حيث يعمل بعض الأفراد من المكتب والباقون عن بُعد — أكثر تعقيداً، فهي تتطلب قيادة أكثر وعياً وحرصاً على التنسيق، بسبب الفروق المحتملة في الوصول إلى المعلومات والموارد، والشعور بالاندماج بين أعضاء الفريق.

تظهر الدراسات أنَّ أحد أبرز الدوافع التي تحث الموظفين على الذهاب إلى مقر العمل هو الرغبة في التواصل المباشر ورؤية الزملاء وجهاً لوجه، وبناءً عليه، يستفيد القادة من تنسيق جداول العمل بحيث يوجد أعضاء الفريق في المكتب في الأيام نفسها، مما يعزز العلاقات وإحساس الانتماء إلى الفريق.

ينبغي مع ذلك أن يتم هذا التنسيق بمرونة وذكاء؛ لأنَّ فرض سياسات صارمة بشأن الحضور، قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية ومقاومة من الموظفين، خصيصاً إذا شعروا أنَّ مرونتهم مهددة.

من أبرز الفخاخ التي يقع فيها القادة في البيئات الهجينة ما يُعرف بـ "تحيُّز القرب" (Proximity Bias)، وهو الميل — غالباً غير الواعي — لتفضيل الموظفين الموجودين فعلياً في مكان العمل، على حساب أولئك العاملين عن بُعد، وقد يؤدي هذا التحيُّز إلى ظلم في التقدير أو توزيع المهام أو فرص الترقِّي، مما يهدد العدالة داخل الفريق، ومن هنا تأتي أهمية وعي القائد بهذا الانحياز، واتخاذ خطوات واضحة للحد منه، من خلال ممارسات تعزز الإنصاف والتكافؤ بين جميع الأفراد، بصرف النظر عن مكان وجودهم.

المرونة: حجر الأساس في القيادة الحديثة

يعتمد نجاحك في قيادة فريق عن بُعد أو فريق هجين على صفة قيادية أساسية لا غنى عنها، وهي المرونة القيادية، لذا تجنَّب التمسك الصارم بالأساليب التقليدية المعهودة داخل منظمتك، وبدلاً من ذلك، انفتِح على التجريب واعتمِد أساليب جديدة في العمل والإدارة.

ناقِش أعضاء فريقك، والقادة الآخرين داخل مؤسستك بالإجراءات الناجحة والعمليات التي تحتاج إلى تحسين أو تغيير، وشارك معرفتك، واستخلِص الدروس من النجاحات والإخفاقات، وادعُ إلى حوار صريح ومنفتح حول ما يحتاج إلى تحسين أو تطوير، وتذكَّر أنََّ الفشل في المحاولة الأولى، ليس نهاية المطاف؛ بل هو خطوة ضرورية على طريق التعلُّم والنضج المهني.

 قيادة فريق عن بُعد أو فريق هجين

كيف تطور مهاراتك القيادية في إدارة الفِرَق الهجينة والعاملة عن بُعد؟

لتعزيز فعالية قيادتك للفرق العاملة عن بُعد أو بالنظام الهجين، ركِّز على مجموعة من المهارات الجوهرية التي تُسهم في نجاح الفريق وتعمل معاً بتكامل وانسجام، ويشمل ذلك:

1. الاستباقية وغرس الثقة

لا تعد الثقة مجرد عنصر داعم في بيئة العمل؛ بل هي ركيزة أساسية تزداد أهميتها في الفِرَق العاملة عن بُعد، فحين تنعدم اللقاءات اليومية والرقابة المباشرة، يصبح من الضروري أن يشعر الموظفون بأنَّهم موضع تقدير واحترام، وأنَّ قادتهم حريصون على مصالحهم.

إليك بعض النصائح الفعالة التي يمكن دمجها في برامج تدريب القيادات عن بُعد والهجينة لتعزيز الثقة:

1.1. تجنَّب الإدارة الدقيقة المفرطة

يشكك بعض القادة بالتزام أعضاء الفريق ويفرطون في الرقابة والإشراف على العمل نتيجة غياب المتابعة اليومية على أرض الواقع، غير أنَّ الثقة، تبدأ من منح الفريق مساحة من الاستقلالية، وعدُّهم جديرين بالمسؤولية؛ لذا اجعل تواصلك واضحاً في هذا الإطار، وابتعِد عن فرض الاتصال خارج أوقات العمل، خصيصاً في حال وجود اختلاف في المناطق الزمنية، حتى لا يشعر الموظفون بالإرهاق أو الضغط المستمر.

1.2. أعرِِب عن تقديرك بانتظام

يساعد التقدير العلني والمستمر لجهود الفريق على ترسيخ الثقة؛ إذ يُرسل القائد من خلاله رسالة ضمنية مفادها: "أنا أراك، وأقدِّر مساهمتك في العمل".

1.3. كن متاحاً وسهل الوصول

يمكن في بيئة العمل التقليدية لقاء الزملاء مصادفة في الممرات أو عند آلة القهوة، أمَّا في البيئات الافتراضية، فإنَّ هذا التواصل العفوي يغيب؛ لذا احرِص على إتاحة الفرصة لفريقك للتواصل معك بسهولة، سواء من خلال الاجتماعات الدورية، أم الجلسات الفردية، أم حتى عن طريق رسالة إلكترونية صادقة تُشعرهم بأنَّك حاضر ومتفاعل.

1.4. التزِم بالعدالة والاتساق في القرارات

تُعزز العدالة في توزيع الفرص والمهام مصداقية القائد؛ لذا احذر ما يُعرف بـ "تحيُّز القرب"؛ أي الميل اللاواعي إلى تفضيل من يعملون في المكتب، بحكم قربهم الجغرافي، على زملائهم عن بُعد، وكن حازماً في مواجهته، وامنح الجميع فرصاً متكافئة للظهور والمساهمة والنمو.

2. تعزيز الانتماء وبناء مجتمع مهني متماسك

يشعر الموظفون عن بُعد بالعزلة ويواجهون صعوبة في الانتماء لثقافة الشركة والفريق؛ لأنَّهم لا يلتقون على أرض الواقع بانتظام؛ لذا، تقع على عاتق القادة مسؤولية بناء شعور جماعي بالانتماء، وإنشاء بيئة رقمية تُحاكي دفء العمل الحضوري، وإليك نصائح لتدريب القادة على تعزيز هذه الروح في البيئات الافتراضية والهجينة:

2.1. اطلب من الموظف الحضور إلى مقر الشركة في بداية تعيينه

رغم كفاءة الأنظمة الرقمية، تبقى الأيام الأولى للموظف الجديد حاسمة في بناء انطباعه عن المؤسسة، وإذا كانت الفرصة متاحة، فاستقبال الموظف استقبالاً حضورياً يُساعده على التعرُّف على ثقافة الشركة وتكوين روابط أولية مع الزملاء. تؤكد الدراسات أنَّ الموظفين الذين يبدؤون العمل عن بُعد، يشعرون بمستويات أعلى من التوتر والغموض.

2.2. نظِّم فعاليات حضورية هادفة

تترك اللقاءات الحضورية أثراً طويل الأمد في تعزيز العلاقات والتعاون بين أفراد الفريق، شرط أن تُنظَّم تنظيماً هادفاً، ومجرد جمع الفريق في مكان واحد لا يكفي؛ بل يجب أن تدور هذه اللقاءات حول مشاريع أو مواضيع تتطلب تعاوناً حقيقياً، مما يعمِّق أواصر العمل الجماعي.

2.3. نظِّم جدول العمل الهجين بذكاء

تشير الأبحاث إلى أنَّ تنظيم الحضور إلى المكتب ضمن جدول منسق — حيث يوجد أعضاء الفريق معاً في الأيام نفسها — يزيد من فرص التعاون، ولكن ينبغي مراعاة طبيعة كل فريق أو دور وظيفي، فبعضها يتطلب مرونة أكثر من غيره.

2.4. صمِّم فرصاً متعمدة للتواصل الافتراضي

يتطلب بناء علاقات قوية عن بُعد نية وتصميم مدروس، وتقول "ماري شابيرو" (Mary Shapiro)، أستاذة في قيادة الفِرَق: "عليك أن تتعمد توفير ظروف للتواصل والتفاعل بين أعضاء الفريق، حتى في العالم الافتراضي"، ومن الاستراتيجيات الناجحة تقديم خيار "العمل الجماعي التفاعلي" عن طريق الإنترنت، فمثلاً تخصص بعض الفِرَق في شركة "إنديد" (Indeed) وقتاً كل يوم جمعة لجلسة اختيارية بعنوان "نعمل وندردش"، وفيها يجتمع الأعضاء افتراضياً للعمل والتفاعل سوياً، مما يوفر أجواء تعاونية غير رسمية.

2.5. اتصل بأعضاء الفريق

قد يكون التفاعل عن طريق المكالمات المرئية مرهقاً، فإذا أردت الاطمئنان على أحد الموظفين، لا تُضف عليه عبء اجتماع افتراضي جديد. ببساطة، امسك الهاتف واتصل به. يُجري أحد القادة الكبار يومياً مكالمات قصيرة غير مجدولة مع عدد من الموظفين، تشبه التحية الصباحية في المكتب.

تطور المهارات القيادية في إدارة الفرق الهجينة وعن بعد

3. إرساء توقعات واضحة وأسس عمل متَّسقة

يقل شعور الموظفين بالقلق والتوتر حين تكون أدوارهم ومسؤولياتهم واضحة، ويعرفون كيف سيُقيَّم أداؤهم، وما موقعهم ضمن الصورة الكلية للمؤسسة، إلَّا أنَّ بيئات العمل عن بُعد، تُضاعف خطر شعور الموظفين بالانفصال وقلة التفاعل؛ بل وأحياناً بالضياع تجاه ما يُنتظر منهم فعلياً.

لهذا ينبغي تدريب القادة في بيئات العمل عن بُعد والهجينة على المهارات التالية لضمان وضوح التوقعات والمعايير التنظيمية:

3.1. توضيح المهام، والإجراءات، والأدوار، والمعايير الجماعية.

في السياقات الافتراضية، يجب أن يعرف الموظف ما عليه أن يفعله، وكيف ومتى ومع من، وحدِّد أدوار كل فرد، وطرائق التقييم، وأهداف الفريق الكبرى، وأسس اتخاذ القرار داخله.

3.2. تحديد بروتوكولات التواصل

تكون عادة وتيرة التواصل بين أعضاء الفِرَق الافتراضية أقصر وأقل تكراراً مقارنة بالتواصل المباشر وجهاً لوجه، مما يُعرِّض فريق العمل لمخاطر سوء الفهم؛ إذ يمكن تفادي هذه الإشكالات من خلال وضع معايير واضحة لاستخدام أدوات التواصل المختلفة، فقد تُعالج بعض المواقف بكفاءة عن طريق البريد الإلكتروني أو تطبيقات الرسائل، بينما يتطلب بعضها الآخر محادثة مباشرة وصريحة.

3.3. وضع معايير مخصصة بالاجتماعات

ثمة محتوى كثير عن آداب الاجتماعات الافتراضية، وغالباً ما تختلف طريقة إدارتها باختلاف ثقافة الشركة، ومع ذلك، تذكَّر أنَّ الاجتماعات المتكررة عن طريق الإنترنت، قد تكون مرهقة؛ لذا حدِّد متى تكون الاجتماعات ضرورية فعلاً، ومتى تُستبدَل بوسائل أخرى. جهِّز جدول أعمال مسبقاً ووزِّعه على المشاركين قبل الاجتماع، كما يجب وضع إرشادات واضحة تضمن تلبية احتياجات المشاركين سواء كانوا في المكتب أم عن بُعد، والاستفادة من مساهماتهم على قدم المساواة.

3.4. إعادة النظر في أهداف الأداء

يعد الانتقال من التركيز على عدد ساعات العمل إلى التركيز على التقدُّم المحقق للأهداف التنظيمية من أهم التحولات الذهنية المطلوبة في قيادة الفِرق عن بُعد، فقياس النجاح من خلال النتائج يعزز روح الاستقلالية، ويمنح الفريق شعوراً بالمسؤولية تجاه ما ينجزونه، وهذا ما تطبِّقه شركات رائدة، مثل "جيت-لاب" (GitLab) من خلال تطوير مؤشرات أداء مخصصة حسب كل دور.

في الختام

لا تعد قيادة فِرَق تعمل عن بُعد أو ضمن نظام هجين مجرد انتقال في المكان؛ بل تحوُّل جوهري في أسلوب القيادة، ومن خلال زرع الثقة، وتعزيز الانتماء، وتوضيح التوقعات، يبني القادة فِرَقاً فعالة، ومتماسكة، ومنتجة — مهما اختلفت أماكن أفرادها.

آخر المقالات

كن على اطلاع بأحدث الأخبار

اشترك الآن لتحصل على أحدث المقالات والأبحاث والمنتجات التي تجعلك أقوى من أي وقت مضى