نحن نعرف جميعاً أشخاصاً مؤثرين من عائلاتنا وأصدقائنا وزملائنا نتطلع إليهم بصفتهم قادة، ولكل قائد شخصية مختلفة، ولكن ما هي السمات المشتركة بينهم؟ ما هي الصعوبات التي يواجهونها، وكيف يتغلبون عليها؟ يبحث هذا المقال في هذه التحديات، وتحديداً في سياق مكان العمل، فسوف تتعلم كيفية قيادة فريق العمل وكيفية التكيف مع دورك الجديد في حال كنت قد ترقيت حديثاً إلى منصب إداري.
ما هي مقومات القائد الناجح؟
الخطوة الأولى هي فهم صفات القائد الناجح، فالقائد هو أي شخص لديه رؤية واضحة ويعرف كيفية توحيد الآخرين حول تلك الرؤية، ويتمتع القادة الناجحون بالصفات الآتية:
- الثقة: إنَّهم شجعان وحازمون، وهذا يتيح للآخرين أن يحذوا حذوهم.
- الرؤية: يساعدون الآخرين على مواءمة مهامهم اليومية وأهدافهم قصيرة الأمد مع أهداف المنظمة.
- التعاطف: يفهم القادة نقاط القوة والضعف لدى الآخرين، ويساعدونهم على مواءمة قدراتهم مع أدوارهم المثالية في مكان العمل.
- التفويض: إنَّهم يثقون في قدرة فرقهم على تقديم أحسن أداء بناءً على نقاط قوتهم ومهاراتهم.
- المساءلة: يوفون بوعودهم، ويعترفون بنجاحاتهم وإخفاقاتهم، ويلزمون الآخرين بنفس المعايير.
- الإِبداع: يقدر القادة جميع الأفكار ويحافظون على عقل متفتح عند العصف الذهني وحل المشكلات.
- العزيمة: إنَّهم يثابرون في الظروف الصعبة لتحقيق النجاح على الأمد الطويل.
- العطف: يدركون أنَّ العوامل الخارجية مثل المشكلات الشخصية أو العائلية تؤثر في أداء فرقهم، ولذلك، يعدِّل القادة الناجحون توقعاتهم بشكل معقول للبقاء على المسار الصحيح لتحقيق الأهداف المتعلقة بالعمل.
- التواضع: ينسب القادة الفضل لأصحابه ويحتفون بنجاحات الجميع، وليس نجاحاتهم فقط.
- الشفافية: يشاركون المعلومات ويجيبون عن الأسئلة بصراحة، وهذا يمنح الفرق فهماً واضحاً للرؤية الشاملة.
- النزاهة: لديهم قيم أخلاقية قوية تحكم سلوكاتهم بدلاً من البحث عن التحفيز من خلال المصلحة الذاتية.
ما هي تحديات القيادة؟
معظم السمات القيادية المذكورة آنفاً مكتسبة: فالقادة يتعلمون ويتكيفون باستمرار، وغالباً ما يفشلون خلال فترة ولايتهم، وتحدي القيادة هو أي مشكلة يواجهها المدير أو القائد ويتغلب عليها لإبقاء الفريق والشركة على المسار الصحيح، وتحديات القيادة في مكان العمل متنوعة، من عدم اندماج الموظف إلى ضعف التواصل والميزانية.
إليك 7 تحديات شائعة تواجه قادة الفرق والحلول للمساعدة على التغلب عليها:
1. التواصل
يتواصل القادة الناجحون بوضوح مع فرقهم لمشاركة رؤيتهم وتسوية النزاعات بينهم وإلهامهم وتحفيزهم، ويؤدي ضعف التواصل إلى انخفاض تفاعل الموظفين، وقلة التركيز، وضعف المصداقية والثقة، وفي المقابل، يؤدي التواصل الفعال إلى التوافق بين الجميع، وهو أمر هام جداً في بيئة الأعمال سريعة الخطى.
تتمثل إحدى طرائق تحسين التواصل في جدولة اجتماعات فردية منتظمة تؤسس لثقافة التغذية الراجعة الصادقة، وبهذه الطريقة، تتيقن أنَّ كل فرد في الفريق لديه المعلومات التي يحتاج إليها لأداء مهامه، فاحرص أيضاً على أن يعرف فريقك إلى أين يتجه للحصول على التوجيه عند ظهور التحديات.
2. تسوية النزاعات
تعدُّ الخلافات أمراً عادياً في كل الأعمال التجارية، ولكن يجب على القادة التعامُل معها بمهارة لتجنُّب الاضطرابات، فقد أفادت إحدى الدراسات أنَّ 85% من الموظفين يعانون من الخلافات في مكان العمل، وفي معظم الحالات، تنشأ الخلافات بين القادة وفرقهم بشأن المشاريع الجديدة، والمواهب الجديدة، والسياسات الجديدة.
تحدد القيادة الجيدة عمليات رسمية واضحة لتسوية النزاعات، ومن ذلك من يجب تقديم التقارير له، وكيفية التوسط، والنتائج المتوقعة (الإجراءات التأديبية، وتدريب الموظفين، وتغييرات السياسة، وما أشبه ذلك).
قد تنشأ تحديات جديدة مع ازدياد خيارات العمل المدمج وعن بعد، ويؤدي اختلاف أساليب الموظفين في التواصل والعمل وتنوع المناطق الزمنية إلى سوء التواصل إذا لم تُضبط هذه المسائل بشكل جيد، فإنَّ مبادرة القادة باتخاذ الإجراءات المناسبة وتسوية النزاعات ومنع حدوثها هي أمر حيوي.
لاحظ أنَّه على الرغم من أنَّ الشركات تشجع التنوع، لكنَّه يسبب النزاعات أيضاً، فيحتاج القادة إلى المهارات اللازمة لحل هذه المشكلات دون تصعيد أو إرهاق فرقهم.
3. إدارة التغيير
كما هو الحال مع النزاعات، لا مناص من التغيير في كل منظمة، فيجب أن يكون القادة مستعدين للتغيير أولاً قبل توجيه الآخرين للقيام بنفس الشيء، ولذلك، تتطلب إدارة التغيير مهارات جيدة في التواصل وتسوية النزاعات؛ لذا طمئن فريقك بأنَّ التغيير ضروري للتقدم، وعالج شكوكهم بروية.
مع ذلك، يجب أن يكون التغيير جزءاً من التخطيط الاستراتيجي للحفاظ على نجاح الشركة، فتقل تحديات القيادة في مكان العمل بشكل كبير إذا كانت لديك استراتيجية إدارة التغيير الصحيحة في سياساتك.
4. اتخاذ القرار
يتعين على القادة في كثير من الأحيان اتخاذ خيارات صعبة من أجل نجاح المنظمة، على الرغم من أنَّ هذه الاختيارات لا تحظى بشعبية أو تؤدي إلى نزاعات، وإنَّ القيام بالشيء الصحيح ليس بالأمر السهل على الإطلاق، ولكنَّه يؤدي إلى نتائج إيجابية طويلة الأمد، إضافة إلى ذلك، للقرارات القيادية عواقب متوقعة وغير متوقعة والتي غالباً ما تكون لا رجعة فيها.
أصبح اتخاذ القرار أكثر أهمية اليوم مع قيام مزيد من المؤسسات باتخاذ خيارات العمل المدمج وعن بعد، وينبع التماسك من الوضوح، فإنَّ جعل القادة يتخذون قرارات حازمة وإطلاع جميع الموظفين عليها يساعد على تعزيز الوحدة.
يؤمن القادة العظماء بضرورة تحمُّل مسؤولياتهم، فهم يتخذون أصعب القرارات من أجل مصلحة مؤسستهم ويتحملون العواقب.
5. إدارة الأزمات
عندما نفكر في إدارة الأزمات، ربما أول ما يخطر في بالنا هو جائحة كوفيد-19، لقد اختبرت هذه الأزمة العالمية القادة في جميع أنحاء العالم وأظهرت للشركات نقاط ضعف غير متوقعة، كما تطلبت الجائحة من القادة تغيير نماذج أعمالهم من أجل الاستمرار في العمل.
في بداية الجائحة، اختارت شركة آبل (Apple) اتباع نهج استباقي لإدارة الأزمات، فأبلغ تيم كوك (Tim Cook) الرئيس التنفيذي لشركة آبل أصحاب المصلحة أنَّ الجائحة ستؤثر في الشركة وأنَّ حالة عدم اليقين ما زالت تلوح في الأفق.
أصر كوك على الاستمرار في تصنيع المنتجات الجديدة على الرغم من نقص في الرقائق الدقيقة الذي أدى إلى توقف معظم المنافسين عن الإنتاج، ومن خلال حلول القيادة التي تحدد أولوياتها والصدق، تمكَّنت شركة آبل من مواصلة الابتكار على الرغم من الظروف العالمية المحيطة، وسمحت أيضاً للموظفين بالعمل من المنزل، وهذا جعلهم يشعرون بالأمان والتقدير في أثناء الجائحة.
يجب على القادة أن يظلوا متفائلين وصادقين وواقعيين وهادئين في أثناء الأزمات، حتى في مواجهة التوتر والقلق، ومع ذلك، فإنَّ إظهار جانبك الإنساني يعد أمراً ذا قيمة أيضاً لفريقك، فأظهِر أنَّك تبذل قصارى جهدك لتجاوز الأزمة ولكنَّك تشعر بالضعف مثل فريقك، فإنَّ تحقيق هذا التوازن بين اتخاذ قرارات عقلانية وإدارة الضغوطات الشخصية هو ما يُميز القادة الناجحين.
6. التغذية الراجعة والتقدير
تتطلب التغذية الراجعة الثقة بين القادة وفرقهم، في حين يعتمد التقدير على التغذية الراجعة لمعرفة من يستحق التقدير، ويعد هذا أحد تحديات القيادة الأكثر شيوعاً اليوم، خاصة بالنسبة إلى الشركات التي تعاني من عدم اندماج الموظفين.
استراتيجية التغذية الراجعة الشاملة هي استراتيجية ممتازة للتغلب على هذا التحدي، فعلى خلاف مراجعة الأداء القياسية التي تقدم تغذية راجعة من المشرفين إلى الموظفين، فإنَّ عملية التغذية الراجعة الشاملة تجمع أيضاً مدخلات من الأقران والعملاء، وتوفر وجهات النظر المختلفة رؤى يمكن للقادة تطبيقها على بناء الفريق، وتخطيط التعويضات، وفرص التدريب، وآليات المكافأة.
بحسب مجلة فوربس (Forbes)، فإنَّ أكثر من 85% من جميع شركات فورتشن 500 (Fortune 500) تستخدم عملية التغذية الراجعة الشاملة، ومن شركات التكنولوجيا الكبرى مثل جوجل (Google) إلى البنوك المرموقة مثل باركليز (Barclays)، فتساعد التغذية الراجعة الشاملة الشركات في جمع التعليقات المفيدة لمواصلة الابتكار والنمو.
تُبقي التغذية الراجعة الشاملة أيضاً خيارات العمل المدمج وعن بعد مثمرة وعلى توافق مع أهداف الشركة، فإنَّ وجود نظام مركزي لإدارة الأداء يقوم على تقديم تغذية راجعة شاملة وتوقعات واضحة يساعد القادة على إدارة التحديات.
7. الحافز
يواجه القادة التحدي المتمثل في تحفيز أنفسهم وفرقهم، خاصة في حالة فشل المشاريع أو في أثناء الأزمات، فعندما تفتقر الشركات إلى الحافز، فإنَّها تعاني من معدل دوران عمالة مرتفع، وإنتاجية منخفضة، وبيئة عمل سامة، ولسوء الحظ، فإنَّ البقاء متحمساً وإيجابياً يمثل تحدياً عندما تجد الشركة صعوبة في تحقيق أهدافها، فيعلم القادة أيضاً أنَّ فرقهم تتطلع إليهم للحصول على التوجيه، الأمر الذي يمكن أن يكون محبطاً.
للتغلب على تحدي القيادة هذا، قس معدلات رضى الموظفين أولاً باستخدام استطلاعات الرأي القصيرة أو المقابلات الفردية، وبمجرد قياس مستوى الحافز لدى فريقك، يمكنك تنفيذ استراتيجيات مثل جداول العمل المرنة، ودعم الصحة العقلية، والمكافآت والمزايا، وتحسين التواصل.
5 نصائح للتغلب على تحديات القيادة
قد تكون القيادة مسؤولية مرهقة، ولكن يمكنك التغلب على تحديات القيادة في مكان العمل من خلال النصائح الواردة أدناه:
1. مارس الرعاية الذاتية
يجب على القادة أن يحافظوا على تحفيزهم، وأن يتعاملوا مع الإرهاق، ويتجنبوا الاحتراق الوظيفي، وتعد الرعاية الذاتية طريقة رائعة للتغلب على هذه التحديات، بدءاً من إيقاف التزامات العمل بعد انتهاء الدوام.
أظهِر لفريقك أنَّك لا ترد على اتصالات العمل إلا خلال الساعات المناسبة، ومن المرجح أن يتبنوا نفس الممارسة، وحدد الطرائق المثالية للتواصل معك في حالات الطوارئ أو الأزمات، وإضافة إلى ذلك، احرص على تناول طعام غذائي صحي، واشرب كماً كافياً من الماء، واحصل على قسط كافٍ من النوم ومارس الرياضة.
2. وضِّح دور كل موظف
عندما يعرف الجميع مسؤولياتهم، يمكنهم إدارة أعباء العمل بشكل مناسب والتركيز على النشاطات عالية التأثير، كما أنَّه يساعد القادة على تفويض المهام إلى أعضاء الفريق الأكثر قدرة وتوظيف المواهب المناسبة لسد فجوات المهارات، فاشرح هذه الأدوار للجميع وشجعهم على طرح الأسئلة إذا كانوا يحتاجون إلى مزيد من التوضيح، وبخلاف ذلك، سينتهي بك الأمر إلى إدارة التفاصيل الدقيقة لفريقك وإهدار الموارد الثمينة.
3. ضع أولويات واضحة
إذا كنت تدير عدة مشاريع، فحدد المشاريع التي لها الأولوية القصوى وخصص مواردك لها، وتذكَّر أنَّ هذه الأولويات قد تتغير في أي لحظة، لذا ضع خطط طوارئ تتكيف مع السيناريوهات التشغيلية المختلفة، وطبق قاعدة 80/20: 80% من تأثيرك مصدره 20% من نشاطاتك؛ حدد هذه المهام عالية التأثير واتخذ القرارات وفقاً لذلك.
4. كن استباقياً
غالباً ما تقوم القيادة على رد الفعل، أي إنَّك تطبِّق مهاراتك وخبراتك بشكل أفضل في أثناء الاضطرابات التنظيمية، ومع ذلك، يمكنك اعتماد أسلوب قيادة استباقي من خلال تحديد إطار صنع القرار، فضع هدف مؤسستك نصب عينيك، ثم طابق هذا الهدف مع معتقداتك ومواقفك لتحقيقه، وبهذه الطريقة، يمكنك النجاح في القيادة في شتى الظروف.
5. اجمع بين عدة أساليب قيادية
بدلاً من اختيار نهج أو إطار عمل قيادي واحد، كن صادقاً مع نفسك في أثناء تطوير مهاراتك القيادية، فاجمع بين أساليب القيادة المختلفة التي تتناسب مع مؤسستك، واطلب المساعدة من فريقك والمنتورز عندما تحتاج إليها، فتعزز القيادة الناجحة اندماج الموظفين وتحسِّن الإنتاجية بشكل كبير.
في الختام
تواجه القيادة كثيراً من الصعوبات، ولقد قدَّم هذا المقال نظرة عامة عن تحديات القيادة والحلول التي يجب تنفيذها للتغلُّب عليها، فيدرك القائد الناجح أنَّ توجيهاته لا تؤدي إلى تنمية الشركة فحسب، بل تحسِّن أيضاً حياة أعضاء فريقه على الصعيدين الشخصي والمهني.
على الرغم من عدم وجود أسلوب قيادة يمثِّل حلاً سحرياً لهذه التحديات القيادية الشائعة، لكن عليك الحفاظ على عقلية التعلم والنمو للعثور على أفضل نهج يناسبك، وبهذه الطريقة، ستحافظ على قيمك، وتحسِّن ذكاءك العاطفي، وتصبح أفضل قائد يلهم ويحفز فريقه يومياً.