تُشكِّل الفجوات العمرية بين الموظفين أحد أصعب التحديات في بيئات العمل المعاصرة، وغالباً ما يؤدي اختلاف الأجيال في القِيَم والخيارات المفضَّلة إلى صعوبات في التواصل والتفاهم.
قد يفضِّل الموظفون الأكبر سنَّاً التواصل الهاتفي المباشر، بينما يفضِّل الجيل الأصغر التواصل عبر الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني، وقد تؤدي هذه الاختلافات إن لم يجري التعامل معها بحكمة إلى سوء الفهم، وانخفاض الإنتاجية، وتلاشي الاحترام المتبادَل في مكان العمل، لذلك نقدِّم لك في هذا المقال الخطوات الرئيسية للقيام بذلك.
ما هي الخطوات الرئيسية لإدارة موظفين من أجيال مختلفة؟
فيما يلي 4 خطوات لإدارة فريق من أجيال مختلفة في مكان العمل:
1. تحدِّي الصور النمطية الضارة
تضمُّ القوى العاملة 5 أجيال لأول مرة في التاريخ، وفيما يبدو، كلٌّ منَّا يحمل سمات وقِيَماً شخصية فريدة من نوعها. فلدينا:
- الجيل الصامت (من مواليد 1925 إلى 1945، مخلص ولكن تقليدي).
- جيل طفرة المواليد (1946 إلى 1964، متعاون ولكن يكره التغيير).
- الجيل إكس (1965 إلى 1980، مستقل لكن كئيب).
- جيل الألفية (1981 إلى 2000، متحمِّس ولكن متطلِّب).
- الجيل زد (2001 إلى 2020، تقدُّمي ولكن غير مخلص).
هذه التعميمات في معظمها إشكالية، فالخطوة الأولى للتغلب على التحيُّز العُمرِيّ، وتعزيز الاحترام المتبادَل، هي دحض هذا التحيُّز وتقييده.
تقول مديرة التطوير القيادي في جامعة ميامي (Miami University) "ميغان غيرهاردت" (Megan Gerhardt): "تعتمد عدد من المحادثات بين الأجيال في الأخبار اليوم على الصور النمطية الكاذبة، بدلاً من تخصيص الوقت لفهم الاختلافات الهامة التي تشكِّل جزءاً من هويات أجيالنا، وعندما نخصص خصائص سلبية أو شاملة لكل مجموعة، فإنَّنا نعني ضمناً أنَّ قِيَمها ومعتقداتها وأهدافها معيبة".
هناك قيمة في تثقيف أنفسنا حول الحقائق التي واجهتها الأجيال المختلفة من الموظفين طوال مسيرتها المهنية، ففي الواقع، ما نقدِّره بوصفنا أفراداً غالباً ما يتأثَّر بأحداث خارجة تماماً عن سيطرتنا، تمليها تجاربنا في بدايات حياتنا ومسيرتنا المهنية.
لقد دخلَ كلُّ جيل إلى سوق العمل في ظلِّ ظروف معيَّنة، الأمر الذي شكَّلَ في نهاية المطاف إحساسنا بالهدف، وخياراتنا المفضَّلة، ودوافعنا للنجاح. قد يولي خريج جامعي حديث، بدأَ وظيفته الأولى في أثناء الجائحة واعتاد العمل عن بُعد، قيمة عالية للعمل المرن ويفضِّل التواصل رقمياً. من جهة أخرى، فإنَّ الشخص الذي انضمَّ إلى القوى العاملة في عام 2008 خلال فترة الركود الكبير، قد يقدِّر الأمن الوظيفي والروتين، ويفضِّل العمل بجدول زمني محدَّد، خمسة أيام في الأسبوع.
تكمن المشكلة في أنَّ الصور النمطية المتعلقة بالعمر تذهب أبعد من اللازم في افتراض أنَّ كلَّ شخص قد تفاعلَ مع المراحل الرئيسة التي مرَّ بها جيله بالطريقة نفسها، وهي افتراضات، غالباً ما تكون خاطئة، ويمكن أن تجعل الموظفين يشعرون بالعزلة حتى قبل أن يدخلوا مكان العمل، وهذا بدوره يؤثر في الأداء.
وجدَت دراسة أنَّ الموظفين المهدَّدين بالصور النمطية القائمة على العمر فيما يتعلَّق بأداء العمل هم أقل قدرة على الالتزام بوظيفتهم الحالية، وأقل توجُّهاً تجاه الأهداف المهنية طويلة الأمد، وفي نهاية المطاف أقل تكيُّفاً نفسياً.
بينما تقول "غيرهاردت" إنَّنا يجب أن نتجنَّب وضع افتراضات حول الأشخاص بناءً على أعمارهم فقط، فإنَّ هناك قيمة في تثقيف أنفسنا حول الحقائق التي واجهتها الأجيال المختلفة طوال مسيرتها المهني. إنَّ فهم هذه الفروق الدقيقة أمر ضروري ليقبل كلٌّ منَّا الآخر.
2. التعبير عن خياراتك المفضَّلة بصراحة
تقول "غيرهاردت": "تماماً كما لا نتوقع أن تُفهم أفعالنا بدقة أو أن يقبلها الجميع عندما نسافر إلى أماكن أخرى، ولا ينبغي لنا أن نتوقَّع أن تكون أسبابنا في التعامل مع عملنا بطرائق معيَّنة واضحة للأشخاص الذين نشؤوا وبدؤوا مسيرتهم المهنية في فترات زمنية مختلفة".
ينبغي لنا بدلاً من ذلك أن نتحدَّث بصراحة بعضنا مع بعض عن خياراتنا المفضَّلة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بأسلوب التواصل. يمكن للمديرين من أجيال متعددة أن يكونوا قدوة من خلال مساعدة أعضاء فرقهم على إيجاد طرائق للتواصل بوضوح بعضهم مع بعض، فإذا كان لديك مرؤوسون مباشرون أكبر وأصغر سنَّاً منك، فاسأَلْهم عن نوع التفاعلات التي تريحهم.
مثلما لا يوجد أسلوب عمل صحيح أو خاطئ، لا توجد طريقة تواصل صحيحة أو خاطئة، وأظهِرْ لمرؤوسيك المباشرين أنَّك على استعداد للخروج من منطقة راحتك والالتقاء بهم في منتصف الطريق، فالتسوية هي المفتاح لإيجاد حلٍّ وسط غير متحيِّز؛ لذا اعتبِر الاختلافات بينكم فرصاً للتعلم.
بدِّلْ بين أساليب التواصل اعتماداً على هدف المحادثة، وتبادَلْ رسائل البريد الإلكتروني للحصول على نهج أسرع وأكثر كفاءة، ولكن التقِ وجهاً لوجه عندما تتطلب المحادثة الود وبناء العلاقات.
3. احترام الحدود
لقد أدَّى التمثيل الأوسع للفئات العمرية في العمل إلى إدخال معتقدات وقِيَم جديدة إلى مكان العمل، وأصبحت الموضوعات المحظورة في الماضي، مثل التنوع والشمول، والصحة العقلية، وأدوار الجنسين، تُناقَش على نطاق واسع في البيئات المهنية.
تماماً كما يؤثر عرق الفرد، وإثنيته، وجنسه، ودينه، وإعاقته/قدرته، وطبقته، وشخصيته، وخلفيته التعليمية في مدى ارتياحه في الحديث عن هذه الموضوعات في العمل، كذلك يؤثر عمره ونشأته.
تقول "غيرهاردت": "إنَّ الأبحاث أظهرَت كون الأجيال الشابَّة أكثر تقدُّماً فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، فضلاً عن أنَّها تشعر بارتياح أكبر بالحديث عن الموضوعات التي كانت تعدُّ في السابق من المحرَّمات في مكان العمل، وإنَّ استعداد الموظفين الأصغر سنَّاً لمناقشة هذه الموضوعات الهامة يؤدي إلى انخفاض الوصمة التي كانت تحيط تقليدياً بالحديث عنها في مكان العمل".
من الضروري أيضاً أن تضع في حسبانك أن مشاعر موظفيك تجاه هذه الموضوعات مختلفة، وليس من الضروري أن يوافق كل شخص، ولكن من الضروري أن يفهموا سبب إعطاء المنظمة قيمة عالية للقضايا التي تجري مناقشتها.
عندما يتعلَّق الأمر بالعرق والجنس على وجه الخصوص، يُظهر تقرير التوجهات الاجتماعية الذي أجرته مؤسسة بيو (Pew) للأبحاث في عام 2020 أنَّ هناك بعض الأنماط القابلة للقياس حول المعتقدات التي تعتنقها أجيال مختلفة في الولايات المتحدة، وعندما يتعلق الأمر بالعلاقات العرقية، يذكر التقرير أنّه من المرجَّح أن يقول جيلَا زد والألفية على حدٍّ سواء: "إنَّ السود يعامَلون معاملة أقل عدلاً من البيض في هذا البلد، ويقول قرابة ثلثَي جيل زد والألفية هذا، مقارنة بنحو نصف جيل إكس وطفرة المواليد ونسبة أقل من الجيل الصامت".
إنَّ التحدي الأكبر الذي قد تواجهه بوصفك مديراً لكلٍّ من الموظفين الأكبر والأصغر سنَّاً هو احترام الحدود المتنوعة لكلِّ عضو من أعضاء فريقك مع الحفاظ على مجموعة القِيَم والحدود والقواعد الأساسية التي تتبنَّاها.
من أجل توفير بيئة يشعر فيها كل شخص بالرغبة في طلب المساعدة، وطرح أفكاره، وتحمُّل المخاطر، تقول "غيرهاردت" أنَّك بحاجة إلى إعطاء الأولوية للسلامة النفسية: "يُجري الناس هذه المحادثات ولديهم تجارب مختلفة ومستويات متفاوتة من الرغبة في الاندماج، ودور المدير هو توفير فرص مستمرة لإجراء هذه المناقشات، وليس إجبار الأشخاص على وجهة نظر معيَّنة. عند التعامل مع هذا النوع من الموضوعات الصعبة، قد يكون من المفيد للمديرين أن يؤسِّسوا المحادثة على مناقشة كيفية ارتباط القضايا بقِيَم المنظمة ورسالتها العامة".
عندما يتعلق الأمر بالتنوع والشمول، هناك وجهات نظر قانونية وأخلاقية واستراتيجية هامة يجب أخذها في الحسبان، وليس من الضروري أن يتَّفق كل شخص في المنظمة أو يكون لديه الأولويات نفسه، ولكن من الضروري أن يفهموا سبب إعطاء المنظمة قيمة عالية للقضايا التي تجري مناقشتها.
تسهِّل "غيرهاردت" المناقشات حول المعايير المشتركة التي تناسب فريقك، بدلاً من اتباع الطريقة التقليدية التي تسير بها الأمور دائماً أو تفضيل خيارات فئة عمرية على أخرى، ويمكنك أيضاً محاولة إحداث تغيير على المستوى التنظيمي من خلال التحدُّث مع ربِّ العمل حول تطوير المبادرات التي تشجِّع الأجيال الأكبر سنَّاً والأصغر سنَّاً على التواصل وتبادُل خبراتهم، مثل برامج المنتورينغ المتبادل.
4. عدم التمييز بين الموظفين
وأخيراً، من أجل إنشاء ثقافة حيث يمكن للموظفين من جميع الأعمار أن يكونوا متواضعين ويتعلَّم بعضهم من بعض، تنصح "غيرهاردت" المديرين بإنشاء عملية صنع قرار شاملة تشجع الحوار الصريح.
احرص خلال الاجتماعات على سماع كل صوت وأخذه بالحسبان. في حين أنَّ هذا سلوك جيد عادةً، فقد يواجه أولئك الذين يقودون فرقاً من أجيال مختلفة تحديات فريدة من نوعها، فمثلاً كشفَت إحدى الدراسات التي أجريت على أكثر من 6000 من جيل الألفية أنَّ 50% من المشاركين شكَّكوا في قدرتهم على النجاح في مكان العمل، وكان قلقهم بشأن مهاراتهم أكثر بمقدار الضعف من الأجيال الأكبر سنَّاً.
إذا أُحبِطْتَ من موظفيك الأصغر سنَّاً بسبب صراحتهم، اضبِطْ نفسك، وبدلاً من إسكاتهم، امنَحْهم مساحة لإظهار قدراتهم باحترام من خلال طرح الأسئلة وتشجيعهم على إبداء آرائهم. وبالمثل إذا سارعَ أحد الموظفين الأكبر سنَّاً إلى إسكات عضو أصغر سناً في الفريق، فعالِجْ الأمر من خلال تشجيع الموظف الأصغر سنَّاً على الحديث وإبداء رأيه.
تابِعْ مع الموظف الأكبر سنَّاً في الفريق على انفراد، وذكِّرْه أنَّه حتى لو كان لدى شخصٍ ما خبرة أقل، فإنَّ أفكاره مرحَّب بها وقيِّمة. هذه النصيحة تنطبق على الجميع، فإذا رأيت عضواً أصغر سنَّاً في الفريق يضع افتراضات حول زميله الأكثر خبرة، فاطلب منه تغيير سلوكه، وذكِّرْ فريقك بأنَّ تنوع الأفكار يزيد الرؤى الجديدة ويسمح للمؤسسات باتخاذ قرارات أفضل وإكمال المهام بنجاح أكبر.
تقول "جيرهاردت": "عندما نبتعد عن العقلية القائلة بإنَّ التفاعلات بين الأجيال يفوز فيها طرف على الطرف الآخر، تظهر إمكانية أن يؤدي التعاون بين الأجيال إلى قدر أكبر من التعلم والنجاح لجميع المشاركين، فكلُّ جيل لديه شيء ليعلِّمه وشيء ليتعلَّمه لدينا جميعاً تجارب ومعرفة يجب أن نتبادلها".
في الختام
هناك طرائق عدّة لسدِّ الفجوة بين الأجيال، ويبدأ الأمر بالتواصل والتواضع والفضول حول نقاط القوة والقيود لدى أعضاء فريقنا وأنفسنا، وبقبول أنَّنا أشخاص مختلفون تماماً ولدينا رؤى ذات قيمة متساوية علينا تبادلها، وينتهي بالاحترام والتفاهم والتقدُّم.