English

سلم الاستدلال: بناء الوعي الذاتي لتكون قائداً أفضل يركز على الإنسان

تتطلَّب القيادة التي تركِّز على الإنسان الوعي الذاتي، والذي قد يصعب تدريسه. يقدِّم سُلَّم الاستدلال نموذجاً لرفع مستوى الوعي الذاتي لدى القادة، وله عدد من التطبيقات العملية الإضافية. كما يدعم اللياقة القيادية من خلال تطوير التوازن والمرونة.

أظهرَت الدراسات خلافاً للاعتقاد السائد أنَّ الناس لا يتعلمون دائماً من التجربة، وأنَّ الخبرة لا تساعدهم على استبعاد المعلومات الخاطئة، وأنَّ الاعتقاد بأنَّنا ذوو خبرة عالية، قد يمنعنا من أداء واجباتنا، ومن البحث عن أدلَّة غير التي نعرفها، ومن التشكيك في افتراضاتنا.

 تعزيز الوعي الذاتي باستخدام سلم الاستدلال

ركَّزت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "هارفارد بيزنس" للنشر المؤسسي على أهمية القيادة التي تركِّز على الإنسان (HCL)، ولكنَّ إقناع القادة بتغيير سلوكاتهم أو حتى رؤية الحاجة إلى التغيير يمكن أن يمثِّل تحدٍّ. إضافة إلى ذلك، تعدُّ القيادة التي تركِّز على الإنسان موضوعاً معقَّداً وله جوانب متعدِّدة، ممَّا يطرح السؤال: من أين أبدأ؟ قد تكون مساعدة القادة على تطوير الوعي الذاتي نقطة انطلاق مناسبة.

تشير الأبحاث إلى أنَّ قرابة 15% فقط من الأشخاص لديهم وعي ذاتي كافٍ، وأنَّ هناك علاقة نسبتها أقل من 30% بين كفاءة الأشخاص الفعلية والكفاءة المتصوَّرة. ويُظهر البحث نفسه أنَّ افتقار القائد للوعي الذاتي يؤثر سلباً في عملية صنع القرار، والتعاون، وإدارة الصراع.

يعدُّ الوعي الذاتي، وهو عنصر أساسي في الذكاء العاطفي، حجر الزاوية في القيادة التي تركِّز على الإنسان؛ لأنَّه يمكِّن القادة من تنمية فهم أعمق لأنفسهم وتأثيرهم في الآخرين. فالقادة الذين يتمتَّعون بوعي ذاتي قوي منسجمون مع عواطفهم ونقاط قوتهم ومجالات التطوير، ممَّا يسمح لهم باتخاذ قرارات واعية، والتعامل مع المواقف المعقَّدة بوضوح ونزاهة؛ لذا فإنَّ الوعي الذاتي هام. لكن كيف يمكنك مساعدة القادة على بنائه؟ الخطوة الأولى الجيدة هي تعليمهم كيفية استخدام سُلَّم الاستدلال، وهو نموذج قدَّمه البروفيسور الفخري بجامعة "هارفارد" "كريس أرجيريس" (Chris Argyris).

 سلَّم الاستدلال

يوضِّح سُلَّم الاستدلال كيف يتسلَّق الناس دون وعي سلماً ذهنياً من الافتراضات والمعتقدات بناءً على ملاحظاتهم وتجاربهم.

تحدثُ هذه العملية بسرعة، وفي كثير من الأحيان دون وعي، ممَّا يدفع الأفراد إلى فرز المعلومات، وتقديم التفسيرات، واتخاذ الإجراءات، وكلُّها يمكن أن تتأثر بالتحيُّزات والتجارب السابقة. وهو يمثِّل ما يسميه عالم النفس "دانيال كانمان" (Daniel Kahneman) في كتابه "التفكير السريع والبطيء" (Thinking, Fast and Slow)، عملية النظام 1.

  • النظام 1 هو معالجة تلقائية سريعة تتطلب القليل من الطاقة.
  • النظام 2 هو المعالجة العقلانية والواعية والمجهدة.

يشرح "كانمان" كيف يُجري النظام 1 تخمينات مدروسة للتوصُّل إلى استنتاجات سريعة، لكنَّه لا يُظهر أي سجل لكيفية توصله إلى استنتاجاته، "النظام 1 لا يتتبَّع البدائل التي يرفضها، أو حتى حقيقة وجود بدائل". تكمن المشكلة في أنَّ التخمين الذي يقدِّمه قد يكون خاطئاً (الاستنتاج أيضاً) ولكنَّك ستصدِّقه ما لم يتدخَّل النظام 2 لتقييمه.

لا يحدث هذا غالباً؛ لأنَّ النظام 2 "كسول" أو غالباً ما يكون مشتَّتاً، وباستخدام السُّلَّم، يمكننا استخدام النظام 2 لتوجيه استنتاجاتنا وتوفير إطار لتحليلها، مع اكتشاف المزيد من الاستنتاجات الخاطئة وتصحيحها.

سلم الاستدلال

اختيار البيانات من المعلومات المتاحة

تخيَّل سُلَّماً مستنداً إلى حائط في بركة مياه تمثِّل البيانات أو الحقائق، إنَّ كمية البيانات في أي موقف معيَّن أكبر ممَّا تستطيع أدمغتنا التعامل معه، لذلك تُطبَّق المرشحات. سيُصفِّي شخصان ينظران إلى البيانات نفسها بيانات مختلفة وسيحتفظون بها، ولكن لن يُعالج أحد جميع البيانات معالجةً كاملةً أو بالطريقة نفسها. وعندما تخطو على الدرجة الأولى من السُّلَّم، يختار دماغك البيانات ويفرزها، ويحتفظ ببعضها ويتجاهل بعضها الآخر.

إضافة معاني إلى البيانات المحدَّدة

بالصعود خطوة واحدة على السُّلم، تفسِّر أدمغتنا البيانات باستخدام المرشحات، والعدسات الخاصة بتحيُّزاتنا، ووجهات نظرنا، وطريقة تفكيرنا. فكِّرْ في النظارات ذات العدسات الصفراء، عندما ترتديها أول مرة، ترى كل شيء باللون الأصفر، ثمَّ يتكيَّف عقلك ويبدو كل شيء طبيعياً حتى تخلع النظارات، وبعد ذلك يبدو كل شيء باللون الأخضر، ما كنت تنظر إليه لم يتغيَّر، لكنَّ الطريقة التي نظرتَ بها إليه تغيَّرت.

تفسير البيانات ووضع الافتراضات

في الدرجة التالية من السُّلَّم، تفسِّر البيانات وتحدِّد معنى لها. أنت تضع افتراضات وتسد الفجوات. هل قرأتَ سابقاًَ رسالة بريد إلكتروني وأدركتَ أنَّك تسمع صوت الكاتب ونبرة صوته في رأسك؟ من المرجَّح أنَّ نبرة الصوت التي تسمعها هي إضافة تفسيرك. تتأثر تفسيراتنا بشدة في السياق والخبرات والثقافة، وهذه أيضاً هي الخطوة التي يمكنك من خلالها تفسير الموقف: جيد أو سيئ، تهديد أو مكافأة، خير أو شر.

استخلاص الاستنتاجات من الافتراضات

عندما تقترب من قمة السُّلَّم، فإنَّك تتوصَّل إلى استنتاج أو استدلال، فمن حيث تقف، استنتاجك واضح وبديهي وهام. يبدو استنتاجك لك كأنَّه حقيقة، ولا يمكنك أن تتخيَّل أي شخص عاقل آخر يصل إلى استنتاج مختلف، وبسبب هذا اليقين، عندما نشارك رؤيتنا الرائعة مع الآخرين، فإنَّنا لا نشعر بالحاجة إلى شرح كيف وصلنا إليها؛ لأنَّ صحة استنتاجنا واضحة للغاية بالنسبة لنا، ولكن للأسف، ليس بالضرورة أن يكون واضحاً لأي شخص آخر.

تبنِّي معتقدات مبنية على افتراضات

ممَّا يزيد الوضع تعقيداً هو التأثير العميق لنماذجنا العقلية -قيمنا وافتراضاتنا ومعتقداتنا المتأصلة عن العالم- في الطريقة التي يرتقي بها كلٌّ منَّا سُلَّم الاستدلال خاصته. لتصوير هذا المفهوم بصرياً، يمكن للمرء أيضاً تشبيه هذه النماذج العقلية بجوانب السُّلَّم، ممَّا يوفِّر البنية والتماسك لعملية التفكير لدينا، فغالباً ما يستنتج الأشخاص الذين يتبنَّون عقلية "التفكير الإيجابي" أنَّ العالم خيِّر إلى حدٍّ كبير. من جهة أخرى، فإنَّ أولئك الذين يحملون عقلية "توقُّع الأسوأ" يُصفُّون الأحداث ويحكمون عليها بطريقة تعكس نظرتهم السلبية.

هذه هي الطريقة التي يمكن بها لأشخاص مختلفين يقفون في مجموعة البيانات نفسها أن ينتهي الأمر بسلالمهم إلى جدران مختلفة، ويصلون إلى استنتاجات مختلفة إلى حدٍّ كبير.

تطبيق سُلَّم الاستدلال لرفع مستوى الوعي الذاتي

يجب أن يزيد الوعي الذاتي في اللحظة التي يتعلَّم فيها الشخص عن السُّلَّم، وإنَّ حقيقة أنَّ عملية غامضة وغير واعية في الغالب تُجلَب إلى الوعي هي الخطوة الأولى في رفع الوعي الذاتي. الأمر أشبه بالتنفس، فإذا كنت لا توليه اهتماماً، فإنَّه يحدث تلقائياً، ومع ذلك عندما تلاحظ تنفسك، يمكنك التحكم فيه، وإنَّه ينتقل من نظام كانمان 1 إلى النظام 2، من التلقائي إلى المتعمد.

الخطوة الثانية هي إبطاء العملية وفحص كيفية تسلُّقنا السُّلَّم، وهو عمل يتعلق بالتأمل الذاتي، فما هي البيانات التي اخترناها؟ ما هي البيانات التي رفضناها؟ ما هي الافتراضات التي افترضناها؟ ما هي التحيُّزات التي ربَّما أثَّرت في العملية؟ يمكن أن يؤدي التفكير في عملية التفكير وتدقيق الافتراضات التي نتَّخذها إلى فهم أعمق لأنفسنا وتفاعلنا مع الآخرين، وهذه هي بداية الوعي الذاتي.

من السهل تعلُّم سُلَّم الاستدلال وتطبيقه. يمكن لمعظم الناس أن يتذكَّروا وقتاً قفزوا فيه إلى استنتاج تبيَّن فيما بعد أنَّه خاطئ، فاطلب منهم النزول مرة أخرى إلى أسفل سُلَّم هذا الاستنتاج لتحليل أسبابهم، واطلب منهم أيضاً التفكير في عواقب الاستنتاجات الخاطئة.

يجب أن يؤدي الوعي والتقييم المستمر لسلالمنا إلى إدراك أنَّ عدداً من استنتاجاتنا التي تبدو كأنَّها حقائق ليست سوى آراء راسخة. على الرغم من أنَّ بعض المتعلمين قد يحتاجون إلى مساعدة لفهم هذا، فقد يكون من غير المريح أن تدرك أنَّ عدداً من الأشياء التي كنت تعتقد أنَّها حقائق ثابتة، هي في الواقع آراء واهية، لذلك فإنَّ غرورك سيبدي مقاومة.

لماذا يعدُّ إقناع القادة بهذا الإدراك أمراً هاماً؟ لأنَّه وكما أشرنا سابقاً، فإنَّ معظم القادة يبالغون في تقدير كفاءاتهم؛ لذا فإنَّ جعلهم أقل يقيناً باستنتاجاتهم هو أمر مفيد، فاليقين هو عدو الفضول، والمعرفة عائق أمام التعلم، فلماذا أتعلَّم ما أعرفه بالفعل؟ تُظهِر الأبحاث أنَّ هناك نتيجتين للارتقاء إلى مستويات القيادة في الشركة، هما فقدان التعاطف وزيادة الغطرسة. الترياق هو الوعي الذاتي والفضول، ويدعم سُلَّم الاستدلال كليهما.

تطبيق سُلَّم الاستدلال لرفع مستوى الوعي الذاتي

كيف يدعم سُلَّم الاستدلال لياقة القيادة؟

تتطلَّب اللياقة القيادية، مثل اللياقة البدنية القوة، والتوازن، والمرونة، والتحمُّل. فالسُّلَّم يدعم مباشرةً التوازن والمرونة.

جزء من التوازن هو القدرة على قراءة المواقف قراءة أكثر دقة من خلال تحدي عمليات التفسير اللاواعية التي تقودنا إلى تجاهل بعض الإشارات لصالح إشارات أخرى؛ أي تعطيل التحيز اللاواعي وأنماط السلوك الافتراضية من خلال ما وراء المعرفة، أو التفكير في تفكيرك. بعد تعطيل عمليات التفكير هذه عمداً، يُظهر القادة توازناً أكبر من خلال اختيار سلوكات القيادة عمداً، فالسُّلَّم هو أداة تساعد القادة على جعل أنماط التفكير الضمنية واضحة، ممَّا يسمح بالتحليل، والاختيار، والتصحيح في أسلوب القيادة.

يدعم السُّلَّم المرونة عن طريق مقاطعة العادات، هل لدى الشخص خيار التصرف بشكل مختلف دون ملاحظة تفكيره الافتراضي؟ ربما، لكنَّ الفرصة تبدو ضئيلة. تخيَّل أنَّك تعود إلى المنزل من العمل، متعباً وجائعاً، وحركة المرور سيِّئة للغاية، وشخص ما يقطع الطريق عليك. بالنسبة لمعظم الناس، تكون الاستجابة تلقائية، وهي وصف السائق الآخر بالأحمق.

مع ذلك هذه استنتاجات، فإذا تمَّت مقاطعة هذه العملية الافتراضية وقيِّمَت الافتراضات باستخدام السُّلَّم، فقد تدرك أنَّ الشخص الذي قطعَ عليك الطريق، قد لا يكون شريراً ولا يفتقر إلى الذكاء وأنَّ هناك عدداً من الاستنتاجات البديلة المحتملة. وربَّما تدرك أيضاً أنَّك نفسك قد قطعتَ الطريق على الآخرين من قبل عن طريق الخطأ، وأنَّك لست شريراً ولا أحمقاً.

الآن بعد أن أصبح لديك إمكانية الوصول إلى الاحتمالات المختلفة لكيفية التصرف، يمكنك اختيار إرسال أفكار إيجابية تجاه هذا الشخص، آملاً أن يصل إلى حيث يذهب بأمان. قبل فهم سُلَّم الاستدلال، لم يكن لديك سوى الخيارات، وبعد فهم السُّلَّم، أصبح لديك إمكانيات جديدة لكيفية التصرف، وهذه هي المرونة.

في الختام

إنَّ سُلَّم الاستدلال هو أداة بسيطة ولكنَّها قوية للوعي الذاتي ويمكن استخدامها في عدد من المواقف لزيادة توازن القيادة ومرونتها، ودعم القيادة التي تركِّز على الإنسان.

آخر المقالات

كن على اطلاع بأحدث الأخبار

اشترك الآن لتحصل على أحدث المقالات والأبحاث والمنتجات التي تجعلك أقوى من أي وقت مضى