يؤثر معدل دوران العمالة مباشرةً في السلامة المالية، وثقافة المؤسسة، ونجاحها، ولا تزال عديدٌ من الشركات تستخف بعواقب دوران العمالة، وغالباً ما تركز على الحلول قصيرة الأمد التي تفشل في معالجة الأسباب الأساسية. يناقش هذا المقال فداحة خطأ تجاهل دوران العمالة وتكلفته، بالإضافة إلى كيفية تأثير تطوير القيادة على الاحتفاظ بالموظفين القيّمين.
لماذا يجب ألا تتجاهل دوران العمالة؟
ترجمة الصورة |
|
يغادر الموظفون بأعدادٍ كبيرة. |
Employees are leaving in droves! |
وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل (Bureau of Labor Statistics) لعام 2023. |
According to Bureau of Labor Statistics 2023 Data. |
79% معدل دوران في قطاع الضيافة. |
79% turnover in hospitality. |
41% معدل دوران شامل. |
41% overall turnover rate. |
هل شركتك مستعدة لهذه التكلفة؟ |
Is your company prepared for the impact? |
شركة "استشارات الاستراتيجية، الأشخاص، والثقافة" (STRATEGY PEOPLE CULTURE CONSULTING). |
STRATEGY PEOPLE CULTURE CONSULTING. |
أصبح دوران العمالة مشكلة ملحة للشركات في مختلف القطاعات، وتؤكد بيانات مكتب إحصاءات العمل (Bureau of Labor Statistics) في عام 2023 أنَّ معدل دوران العمالة في الشركات الأمريكية بلغ 41%، مع نسب أعلى ضمن بعض القطاعات مثل قطاع الضيافة الذي شهد معدلات تصل إلى 79%. تُبرز هذه الإحصاءات الحاجة الملحة للمنظمات لفهم كل من التكاليف المالية والنفسية لدوران العمالة واتباع استراتيجيات للتخفيف منها.
تحليل تكاليف دوران العمالة
1. التكلفة المادية لفقدان الموظفين
الآثار المالية المباشرة لدوران الموظفين كبيرة؛ إذ تقدِّر جمعية إدارة الموارد البشرية (The Society for Human Resource Management - SHRM) التكلفة المتوسطة لتعيين موظف واحد بما يعادل 4700 دولار، كما تحتاج المؤسسة وسطياً إلى 42 يوماً لملء الشاغر. بالرغم من ضخامة هذ الأرقام، إلا أنَّها لا تعكس إلا جزءاً بسيطاً من التكلفة الحقيقية.
ترجمة الصورة |
|
Turnover drains your budget. |
يستنزف معدل دوران العمالة ميزانيتك. |
Average cost per hire: $4,700. |
التكلفة المتوسطة لتوظيف الموظف: 4700 دولار. |
Average time to fill a vacancy: 42 days. |
الوقت المتوسط لملء الوظيفة الشاغرة: 42 يوماً. |
Replacing employees is expensive, with leadership replacement costs ranging from 90%-200% of their salaries. |
استبدال الموظفين مكلف؛ إذ تتراوح تكلفة استبدال القيادات بين 90%-200% من رواتبهم. |
According to Society for Human Resource Management (SHRM). |
وفقاً لجمعية إدارة الموارد البشرية (The Society for Human Resource Management - SHRM). |
STRATEGY PEOPLE CULTURE CONSULTING. |
شركة "استشارات الاستراتيجية، الأشخاص، والثقافة" (STRATEGY PEOPLE CULTURE CONSULTING). |
1.1. تكاليف التوظيف والتدريب
لا تقتصر تكاليف تعيين الموظفين الجدد وتدريبهم على نفقات الإعلان عن الشاغر وإجراء المقابلات، بل إنّها تشمل تكاليف التأهيل، والتدريب، والإنتاجية المتدنية في بداية التعيين، كما تزداد التكاليف في حال التعاون مع مسؤولي توظيف مستقلين من خارج الشركة.
1.2. انخفاض الإنتاجية
تنخفض إنتاجية الموظفين نتيجة الفراغ الذي يخلفه الموظف المُغادِر، ويحتاج الموظف الجديد إلى بعض الوقت ليصل إلى الإنتاجية المطلوبة، وقد تتأخر المشاريع وتختل تفاعلات أعضاء الفريق خلال هذه الفترة.
1.3. التكاليف غير المباشرة
بالإضافة إلى التكاليف المادية المباشرة، فإنَّ دوران العمالة يحبط معنويات الموظفين المتبقين، ويزيد عبء العمل عليهم، مما يؤخر تسليم المشاريع. تعطل هذه العوامل سير عمل الفريق، وتؤثر سلباً في أداء الشركة، كما تؤدي استقالة بعض الموظفين إلى خسارة مهارات ومعارف هامّة تؤثر في مستقبل الشركة تاُيراً غير مباشر.
2. التأثير في ثقافة الشركة
يقوض دوران العمالة أيضاً النسيج العاطفي والثقافي للمنظمة.
ترجمة الصورة |
|
The Unseen Impact On Your Company Culture. |
التأثير الخفي في ثقافة شركتك. |
Employee Burnout. |
إرهاق الموظفين. |
Decreased Morale. |
انخفاض الروح المعنوية. |
Leader Stress. |
ضغط القادة. |
Eroded Trust. |
تآكل الثقة. |
Disrupted Team Cohesion. |
اضطراب تماسك الفريق. |
Volatile Work Environment. |
بيئة عمل متقلبة. |
- التأثير العاطفي لخسارة الموظفين: يؤدي دوران العمالة المتكرر إلى زعزعة استقرار الفِرَق، وبيئة العمل، وتقويض ثقة الموظفين بالقيادة. تضعف ثقة الموظفين بقيادة الشركة واستقرارها عند تكرار حالات الاستقالة.
- الاحتراق النفسي للموظفين: يتحمل الموظفون المتبقون غالباً عبء العمل الإضافي عندما يستقيل أحد أعضاء الفريق، مما يؤدي إلى توترهم وإنهاكهم، ورغبتهم بمغادرة الشركة، وبالنتيجة تتفاقم أزمة دوران العمالة.
- توتر القادة: يتأثر القادة أيضاً مباشرةً؛ إذ إنَّهم يضطرون إيى إعادة عملية التوظيف والتدريب بصورة متكررة، مما يؤدي إلى إحباطهم، وتوترهم، وانشغالهم عن المبادرات الاستراتيجية والتخطيط طويل الأجل.
الأسباب الأساسية لدوران العمالة
يجب فهم الأسباب الأساسية لدوران العمالة لمعالجة هذه القضية بفعالية. إليك بعض من أكثر العوامل شيوعاً:
ترجمة الصورة |
|
Why Are Employees Leaving? |
لماذا يغادر الموظفون؟ |
Poor leadership & communication. |
ضعف القيادة وسوء التواصل. |
Uncompetitive Compensation. |
تعويضات غير تنافسية. |
Toxic work environment. |
بيئة عمل سلبية. |
Poor Work-life Balance. |
عدم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية. |
Lack of Career Growth. |
نقص فرص النمو المهني. |
Lack of recognition. |
عدم التقدير والاعتراف. |
1. ضعف القيادة وسوء التواصل
تُعَد القيادة غير الفعالة والتواصل الضعيف من أهم أسباب تدني اندماج الموظفين. يرتفع معدل دوران العمالة عندما يهمل القائد تقديم التغذية الراجعة، وتوجيه الموظفين، وتقدير جهودهم في العمل، وبالرغم من أنَّه لا يمكن تعميم مقولة أنَّ "الموظفين يتركون القادة وليس الشركات"، إلا أنَّها صحيحة بنسبة كبيرة.
2. قلة فرص النمو الوظيفي
يبحث الموظف عن شركات توفر له فرص النمو المهني عندما تهمل شركته الاستثمار في تطويره؛ لهذا السبب يجب على الشركات أن تستثمر في خطط التطوير المهني وتوفير فرص لتعزيز المهارات.
يؤكد 92% من الموظفين أنَّ توفُّر فرص التطوير المهني هو عامل رئيس في قرار البقاء في شركاتهم الحالية، وذلك بحسب تقرير التعلم في مكان العمل (Workplace Learning Report) لعام 2022 من مزود التعلم الإلكتروني "آي-إم-سي" (imc Learning). حتى في الحالات التي لا يوجد فيها مسار تصاعدي لبعض المناصب الوظيفية، يجد أصحاب العمل ذلك كذريعة لعدم الاستثمار في نمو موظفيهم، مما يسهم في النهاية في تكريس دوران العمالة.
3. عدم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية
ثمّة طلب متزايد على ترتيبات العمل المرن، وخاصة بعد جائحة "كوفيد- 19" (COVID-19)؛ إذ تخاطر الشركات التي تفشل في التكيف مع هذه التغييرات بفقدان موظفيها لصالح منافسين يوفرون هذه التسهيلات في العمل.
4. تعويضات ومزايا غير تنافسية
تُعد الرواتب والمزايا التنافسية ضرورةً للاحتفاظ بالموظفين الموهوبين، وتحتاج المنظمات إلى مراجعة التعويضات بانتظام لضمان رضا الموظفين عنها.
5. بيئة عمل سلبية
تُعَد الثقافة السلبية من أسرع العوامل تأثيراً في مغادرة الموظفين. لذا، يجب على الشركات العمل فوراً لمعالجة المشكلات في مكان العمل مثل التنمر، والتمييز، ونقص الدعم.
6. نقص التقدير
يزداد التزام الموظفين وولاؤهم في الشركات التي تقدِّر إنجازاتهم، ومساهمتهم، والجهود المبذولة في العمل.
7. عدم وضوح التوقعات المهنية أو عدم توافق المناصب
يمكن أن يؤدي عدم التوافق بين توقعات الوظيفة وواقع المنصب إلى الإحباط وعدم الرضا. لذا، يجب ضمان توافق الموظفين جيداً مع مناصبهم.
أعباء العمل المرتفعة والاحتراق الوظيفي: تؤدي أعباء العمل المفرطة إلى الاحتراق الوظيفي، مما يدفع الموظفين للبحث عن الراحة من خلال الاستقالة. لذا، يتطلب الاحتفاظ بالموظفين مساعدتهم على تحقيق توازن سليم بين الحياة المهنية والشخصية.
8. عمليات تأهيل وتدريب ضعيفة
يرتفع معدل الاستقالة المبكرة عندما لا يحصل الموظف الجديد على تأهيل كافٍ، ويندمج في مكان العمل، لأنه لا يشعر بالانتماء، وهو ما يدفعه إلى البحث عن شركة توفر له الراحة النفسية التي يحتاج إليها. يجب على الشركات ضمان دمج الموظفين الجدد بفعالية ودعمهم منذ اليوم الأول.
دور القيادة في تقليل دوران العمالة
للقيادة دور حاسم في الاحتفاظ بالموظفين، ويمكن أن تلهم القيادة الفعالة الموظفين وتحفزهم، في حين تدفعهم القيادة السيئة إلى الاستقالة من الشركة. يعزز الكوتشينغ التنفيذي فعالية القيادة ويسهم في رفع معدلات الاحتفاظ بالموظفين.
كيف يحسن تدريب القيادة معدلات الاحتفاظ؟
يساعد كوتشينغ القيادة القادة في تطوير مهارات التواصل، وحل النزاعات، والتفكير الاستراتيجي، كما يشعر الموظفون بأنَّ القائد يقدِّرهم ويتفهم احتياجاتهم عند ترسيخ ثقافة المساءلة والدعم في مكان العمل.
دراسات حالة: شركات خفضت دوران العمالة من خلال الكوتشينغ التنفيذي
تُظهر الشركات التي استثمرت في تطوير القيادة معدلات دوران منخفضة للغاية. إليك بعض الأمثلة:
1. "ميوتشوال أوف أوماها" (Mutual of Omaha)
هذه شركة تأمين تصدرت قائمة فورتشن 500 (Fortune 500)، وقد واجهت معدلات دوران عمالة مرتفعة في المناصب التقنية. حاولت الشركة حل هذه المشكلة، من خلال إجراء سلسلة من استطلاعات الرأي لفهم وجهات نظر الموظفين فهماً أفضل، وقد استنتجت أنَّ الاحتفاظ بالموظفين يتطلب توضيح ترتيبات العمل بعد جائحة "كوفيد- 19" والتركيز على التطوير المهني. حققت نتيجةً لذلك تقييماً إيجابياً بنسبة 94% من الموظفين الجدد ومعدل احتفاظ إجمالي بلغ 86%.
2. "كريديت سويس" (Credit Suisse)
استخدمت شركة "كريديت سويس" الرائدة في مجال الخدمات المالية تحليلات البيانات التنبؤية لتحديد الموظفين الأكثر احتمالاً لمغادرة العمل بناءً على عوامل مثل تقييمات الأداء وحجم الفريق.
مكّنتها هذه المقاربة القائمة على البيانات من معالجة عوامل المخاطر معالجة استباقية، مما أدى في النهاية إلى تقليل معدل دوران العمالة والتكاليف المرتبطة به. كما تمكّنت الشركة من تنفيذ تدابير استباقية حسّنت الاحتفاظ تحسيناً كبيراً من خلال استهداف مؤشرات محددة للدوران.
مقارنة بين التأثيرات النفسية للقيادة الجيدة والسيئة
ترفع القيادة الجيدة من معنويات الموظفين، واندماجهم، ومعدل بقائهم في الشركة، وتُعَد القيادة السيئة على النقيض تماماً سبباً رئيساً لعدم رضا الموظفين ودوران العمالة. تشير استطلاعات مؤسسة "غالوب" (Gallup) إلى أنَّ 42% من دوران العمالة يمكن تجنبه، ولكن تفشل عديدٌ من المنظمات في اتخاذ الإجراءات اللازمة. وجدت الدراسة أنَّ معظم الموظفين الذين تركوا وظائفهم لم يحظوا على الاهتمام الكافي من قبل المدير، ولم يناقشوه بمشكلاتهم في مكان العمل قبل اتخاذ قرار الاستقالة.
يمكن تخفيف دوران العمالة من خلال الإدارة الاستباقية، والمحادثات المنتظمة حول النمو المهني، ومعالجة مشكلات مكان العمل. كما تشير جمعية إدارة الموارد البشرية إلى أنَّ استبدال الموظفين مكلف؛ إذ تكلف المناصب القيادية ما بين 90%-200% من الراتب. تؤكد هذه النتائج على الحاجة إلى تحسين استراتيجيات التواصل والاندماج للاحتفاظ بالموظفين.
حلول قائمة على البيانات لتقليل دوران العمالة
فيما يلي أهم الحلول القائمة على البيانات:
1. الاستثمار في تطوير القيادة
تشهد الشركات التي تستثمر في تطوير القيادة انخفاضاً بنسبة 32% في معدلات دوران العمالة وزيادة بنسبة 10% في الإنتاجية، وذلك وفقاً للاتحاد الدولي للكوتشز (International Coach Federation). تنخفض معدلات دوران العمالة في المنظمات التي لديها برامج قوية لـ تطوير القيادة أكثر من تلك التي لا تمتلك مثل هذه البرامج.
2. إنشاء ثقافة المساءلة والتقدير
يجب بناء ثقافة يشعر فيها الموظفون بالتقدير والمساءلة. يعزز المديح والإطراء على الإنجازات الروح المعنوية والالتزام. تشير البيانات إلى أنَّ 52% من الموظفين يعتقدون أنَّ تقدير مساهماتهم يعزز مستويات اندماجهم، مما يرفع فرص بقائهم في الشركة. تشهد المنظمات التي تعطي الأولوية لتقدير الموظفين انخفاضاً بنسبة 31% في معدلات الدوران الطوعي وزيادة كبيرة في الروح المعنوية والإنتاجية.
3. تنفيذ عملية تأهيل واضحة
تُعَد عملية التوجيه المنظم جيداً أمراً حاسماً للاحتفاظ بالموظفين، وتحسِّن الشركات التي لديها برامج تأهيل شاملة معدلات الاحتفاظ بنسبة 23%. يذكر ما يقرب من ربع الموظفين أنَّهم سيبقون مع منظمة تحدد بوضوح مسؤوليات العمل منذ البداية. يشعر 76% من قادة الموارد البشرية أنَّ عمليات التأهيل لديهم ليست الأفضل بالرغم من الارتباط الواضح بين التأهيل الفعال والاحتفاظ بالموظفين. يساعد إنشاء تجربة توجيه سلسة على تمكين الموظفين الجدد من النجاح وزيادة التزامهم طويل الأمد تجاه المنظمة.
4. تشجيع التواصل
تشهد الشركات التي تتبنى ممارسات تواصل قوية معدل دوران أقل بنسبة 50% من متوسط معدل الدوران في قطاع العمل. تمكنت شركات مثل "باتاغونيا" (Patagonia) من تحقيق معدل دوران منخفض يصل إلى 4% من خلال الاستثمار في استراتيجيات وأدوات التواصل الداخلي القوية، وهو معدل أقل بكثير من معيار قطاع البيع التجزئة. يبرز هذا قوة التواصل الفعال في بناء قوة عاملة وفية ومشاركة.
في الختام
التكاليف المالية والعاطفية لدوران العمالة عالية جداً لدرجة أنَّه لا يمكن تجاهلها. يمكن للمنظمات خلق قوة عمل أكثر استقراراً وإنتاجية من خلال الاستثمار في تطوير القيادة، وتعزيز ثقافة داعمة في الشركة، ومعالجة الأسباب الجذرية للدوران. كما يوفر الكوتشينغ التنفيذي حلاً استراتيجياً لتمكين القادة، وتقليل الدوران، وتعزيز نجاح الشركات.