القائمة الرئيسية
لقد طرأ تحول جذري على نماذج العمل، وأصبحت إدارة الفِرَق الهجينة التي تجمع بين العمل من مقرِّ الشركة والعمل عن بُعد مهارة أساسية، ويتطلب هذا الانتقال، الذي تسارعت وتيرته بعد جائحة "كوفيد-19" (COVID-19) الصبر والاستعداد للتغيير.
لطالما كان منصب المدير مليئاً بالتحديات؛ إذ تتضمن مهامه الموازنة بين احتياجات الفريق، ومشروعاتهم ومهامهم الفردية، والتأكد من تلبية توقعات مديريهم أيضاً، سيتطلب منهم اعتماد نموذج العمل الهجين مزيداً من الوقت والطاقة.
مفهوم مكان العمل الهجين
مكان العمل الهجين (Hybrid Workplace): هو نموذج عمل مرن يجمع بين العمل في المكتب والعمل عن بُعد.
حظي هذا النموذج بالاهتمام قبل الجائحة، لكنَّ فرض إجراءات التباعد الاجتماعي خلال الجائحة أجبر غالبية العاملين في صناعات معيَّنة على المسارعة إلى اعتماد هذا النوع الجديد من العمل، ويزيد مكان العمل الهجين إنتاجية الموظفين من خلال منحهم حرية اختيار مكان وزمان العمل الأنسب لهم، مما يعزز أيضاً اندماجهم.
ينبغي أن يراعي قادة الفِرَق والمديرون في قراراتهم نقاط قوة كل موظف واحتياجاته الفردية.
مطالب الموظفين
يرغب الموظفون في المرونة والاستقلالية التي يوفرها خيار العمل عن بُعد، لكنَّهم في الوقت ذاته يقدِّرون التعاون والتفاعل وجهاً لوجه، وأشار تقرير "الهدف من مكان العمل" (Purpose of Place) الصادر عن شركة "كوشمان أند ويكفيلد" (Cushman & Wakefield) إلى أنَّ نصف الموظفين، واجهوا صعوبة في التواصل مع الثقافة التنظيمية خلال الجائحة، وشعر 55% فقط من الذين عملوا عن بُعد خلال تلك الفترة بالسلامة النفسية.
يقتضي نجاح نموذج العمل الهجين الموازنة بين العمل في المكتب والعمل عن بُعد، مما يضع عبئاً كبيراً على عاتق المديرين والقادة، الذين يجب عليهم الموازنة بين الخيارات التي يفضلها الموظفون والحاجة إلى رفع الإنتاجية والتعاون، ويتطلب النجاح في تحقيق هذا التوازن المرونة، والتعاطف، والاستعداد للتكيف.
5 استراتيجيات لقيادة فِرَق العمل الهجينة
1. الانتباه للحالة النفسية
ينبغي أن يدرك القادة مشاعرهم وتحيزاتهم تجاه نموذج العمل الهجين، وفهم كيفية تأثير ذلك في أسلوبهم الإداري، والأمور التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح، وذلك لضمان إدارة الفِرَق بفعالية وإنصاف في هذه البيئة المتغيرة، وتجنُّب تفضيل موظفين يعملون بطريقة معيَّنة على غيرهم، لا سيما وأنَّهم مطالبون باعتماد طريقة عمل جديدة بسرعة.
2. إرساء بيئة آمنة
يجب أن يعي المديرون والقادة التغيرات التي تواجهها الفِرَق أيضاً؛ إذ ينبغي طمأنة الموظفين بأنَّ خياراتهم المتعلقة بطريقة ومكان العمل (سواء من المكتب أم عن بُعد) لن تؤثر في مسارهم المهني، أو تحد من فرص تقدمهم الوظيفي.
يجب توفير بيئة آمنة نفسياً، يشعر فيها الموظفون بالراحة والقدرة على مشاركة مخاوفهم واهتماماتهم بصراحة، بالتالي ازدادت أهمية الثقافة التنظيمية في بيئات العمل الهجينة أكثر من أي وقت مضى، ولم تعُد الإنتاجية بالضرورة هي التحدي الرئيس للقوى العاملة الهجينة؛ بل يتعلق الأمر باندماج الموظفين والحفاظ على ثقافة تنظيمية قوية.
يُنصَح القادة بأن يبادروا إلى سؤال مرؤوسيهم عمَّا يحتاجون إليه ليحقِّقوا النجاح في عملهم؛ فربما يواجهون تحديات أو صعوبات يترددون في الإفصاح عنها، ولهذا السبب تحديداً، يعدُّ توفير الأمان النفسي أمراً بالغ الأهمية، فحين يُعطى الأمان للموظفين للتعبير عن شكوكهم وإحباطاتهم دون خوف من تبعات سلبية، سيكشفون عن تحفظاتهم ومخاوفهم لمديريهم.
يجب التركيز على إنتاجية الموظفين، وليس ساعات دوامهم؛ إذ لا تهم الأوقات التي يعملون فيها سواء في المكتب أم عن بُعد، طالما أنَّهم يلتزمون بالمواعيد النهائية، وينتجون عملاً مميزاً.
3. الشمولية
يعد ضمان الشمولية والمساواة بين أعضاء الفريق عاملاً هاماً للحفاظ على الروح المعنوية والتآزر، وإلَّا قد ينخفض اندماجهم إذا شعروا بالتفريق بين الموظفين الذين يعملون في المكتب، وأولئك الذين يعملون عن بُعد.
لعلَّ القرب من أهم العوامل التي تحدد طبيعة علاقتنا مع الناس؛ إذ نتقرب من الأشخاص الذين نراهم ونتفاعل معهم، ونشهد تجاربهم، ونفهم وجهات نظرهم، مما يعزز المساواة والشمولية في مكان العمل.
كنَّا نشعر قبل انتشار الجائحة بالطاقة والحماسة أو غيابهما في أماكن العمل، لكنَّنا فقدنا القدرة على ذلك من وراء الشاشات، واعتقدنا أنَّ الأمر يتعلق بفقدان الاندماج، بيد أنَّ الاندماج والمعنويات هما مفهومان مختلفان، ويتعلقان بكيفية شعور الموظف تجاه عمله وزملائه؛ إذ قد تكون إنتاجية الموظف عالية، ويؤدي عمله جيداً، لكنَّه ليس مهتماً برسالة مهمة المنظمة أو العمل أساساً.
4. وضع توقعات واضحة
تطرح الباحثة والمؤلفة "برينيه براون" (Brené Brown) مقولة هامة حول الوضوح في التواصل أوردتها في كتابها "تجرأ على القيادة" (Dare to Lead): "الوضوح نوع من أنواع اللطف، والغموض قسوة".
وجدَت "براون" من خلال بياناتها وأبحاثها أنَّ معظم الناس، يتجنبون طرح أسئلة المتابعة للحصول على مزيد من التوضيح، أو قد يقدِّمون وعوداً يعلمون أنَّهم لا يستطيعون الوفاء بها، واكتشفت أنَّ السبب الرئيس وراء ذلك هو اعتقادهم الخاطئ بأنَّ الغموض أو عدم الوضوح هو نوع من "اللطف" أو "المراعاة" لمشاعر الآخرين، لكنَّها تؤكد أنَّ خلاف هذا هو الصحيح، وحين نمتنع عن طرح الأسئلة، أو لا نسعى لفهم الأمور، فإنَّنا في الواقع نتصرف بقسوة وظلم تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين.
يعد الوضوح في التواصل أمراً بالغ الأهمية، لا سيما في مكان العمل؛ لذا من الضروري وضع قواعد وتوقعات مشتركة ومفهومة للفريق بأكمله، ويجب أن يفهم جميع الأعضاء هدف الفريق وغاياته، وإجراءات العمل، ووتيرة الاجتماعات، وآلية اتخاذ القرارات.
5. المحافظة على المرونة والتكيف
عُدَّ نظام العمل الهجين مجرد تجربة، فهو نهج جديد، ويحتاج الموظفون إلى بعض الوقت للاعتياد عليه، ولا يعني ذلك عدم اعتماد هذا النظام؛ بل يعني أنَّ الإجراءات الجديدة، تثير حالة من انعدام اليقين، التي تشعرنا بعدم الارتياح.
تعد المرونة حلاً للتغلب على هذا الشعور؛ إذ يتطلب التكيف مع نظام العمل الهجين تقييم ما إذا كان اعتماده يحقق أهداف المنظمة، وذلك من خلال تقييم سير العمل بعد مضي 3 أشهر من تطبيقه، ويُستخدَم نموذج "داك" (DAC)، الذي يرمز إلى: الاتجاه (Direction)، والتوافق (Alignment)، والالتزام (Commitment)، والذي طوره "مركز القيادة الإبداعية" (Center for Creative Leadership) لمساعدة القادة على تقييم نجاح المبادرات الجديدة.
من الهام طرح الأسئلة التالية:
- هل يسير أعضاء الفريق في الاتجاه الصحيح؟ وهل جميعهم متَّفقون على الأهداف؟
- هل الفريق متوافق؟ وهل يتعاون الأعضاء من مختلف المناصب؟
- هل يتحمل الفريق المسؤولية؟ وهل يلتزم بنجاح الفريق والمؤسسة؟
يُعد الحفاظ على المرونة والاستعداد للتكيف أساسياً في هذه العملية.
في الختام
لا يُطالَب المدير بإيجاد جميع الحلول؛ بل ينبغي أن يتعاون الفريق معه، ويساعد على حل المشكلات عند تطبيق نموذج العمل الهجين، وذلك للحصول على دعمهم.
ينبغي البدء بخطوات بسيطة وتطبيقها واحدة تلو الأخرى، والتي تتضمن: عقد الاجتماعات مع الفريق، وتحديد ما يجب تغييره لضمان الشمولية، ووضع توقعات واضحة، والوعي بالتحيزات.
