English

دور استخدام تحليلات البيانات في نجاح المنظمات

تشهدُ طريقة عمل الشركات تحوُّلاً سريعاً بفضل تحليلات البيانات التي تقدِّم معلومات هامة تسهم في اتخاذ قرارات مدروسة. كشفَ تقرير صادر عن شركة "ديلويت" (Deloitte) أنَّ الشركات التي تستفيد من تحليلات البيانات لها القدرة على اتخاذ قرارات أسرع بمقدار خمس مرات من منافسيها، وتستطيع مثلاً شركات التجزئة العملاقة الاستفادة من التحليلات التنبؤية في توقع سلوك المستهلكين، فتحلِّل بيانات الشراء السابقة للتنبؤ بمستويات مخزونها، ممَّا يزيد مبيعاتها بنسبة تصل إلى 20%.

هذا ليس مجرد كلام نظري، فشركات، مثل "نتفليكس" (Netflix) و"أمازون" (Amazon) تحقِّق نجاحاً باهراً نتيجة الاستفادة من البيانات الضخمة في إنشاء تجارب مخصصة تعزز تفاعل العملاء وولائهم.

لا تقتصر فوائد تحليلات البيانات على زيادة المبيعات فحسب؛ بل تكسب الشركات مزايا استراتيجية طويلة الأمد. وفقاً لدراسة أجرتها شركة "ماكينزي" (McKinsey)، فإنَّ المؤسسات التي تعتمد على البيانات في اتِّخاذ القرارات أكثر قدرة على اكتساب عملاء جدد بمقدار 23 مرة، والاحتفاظ بهم بمقدار 6 مرات.

لنفترض أنَّ شركة ناشئة صغيرة تستخدم تحليلات البيانات لتحديد جمهورها المستهدَف، فتكتشف عبر التحليل الدقيق أنَّ التسويق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد تفاعل العملاء بنسبة 50%، ممَّا يُثبت أهمية فهم البيانات في تعزيز نمو الشركات ونجاحها في ظل سوق عمل شديد التنافسية.

أهمية البيانات في اتخاذ القرارات الاستراتيجية

لقد أصبح استخدام البيانات في اتِّخاذ القرارات أساس الاستراتيجيات الناجحة في القرن الحادي والعشرين؛ إذ أفادت شركة "ماكينزي" في دراسة حديثة أجرتها، أنَّ 61% من المديرين التنفيذيين يستفيدون من البيانات في اتخاذ القرارات. لم يَعُد الأمر مجرد توجُّه عابر؛ بل ضرورة.

وفقاً لبحث أعدَّته مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review)، ازدادت إنتاجية المنظمات التي تستفيد من البيانات الضخمة بنسبة 8 إلى 10%، فمثلاً تستفيد منصة "نتفليكس" من التحليلات لتصميم عروض المحتوى، وتزيد توصياتها المشاهدات بنسبة تصل إلى 75%.

يحافظ هذا النهج على تفاعل المشتركين الحاليين من جهة، واستقطاب مشتركين جدد من جهة أخرى، ويُبرز القدرة على تحقيق نتائج فعالة عبر الاستفادة من البيانات في اتخاذ القرارات.

لنفترض أنَّ المبيعات تنخفض في إحدى الشركات، ولا تعرف كيفية معالجة المشكلة، فتكتشف عبر تحليلات البيانات أنَّ العملاء يهتمون الآن بالاستدامة، ونتيجة لذلك، تغيِّر الشركة استراتيجيتها، وتركِّز على المنتجات الصديقة للبيئة، فتزداد حصتها في السوق بنسبة 15% خلال العام التالي.

كشفَت دراسة أجرتها شركة "ديلويت" أنَّ المؤسسات التي تستخدم البيانات لديها القدرة على اتخاذ قرارات أفضل وتحقيق أداء أمثل بمقدار ثلاث مرات، ففي عصر المعلومات هذا، تشهَد الشركات التي تستخدم البيانات في وضع استراتيجياتها نجاحاً كبيراً، وتحوِّل الأزمات المحتملة إلى فرص للنمو والابتكار.

أدوات وتقنيات تحليل البيانات

يزداد استثمار المؤسسات في الأدوات والتقنيات المتقدِّمة لتحليل البيانات، لا سيما وأنَّها تزداد كمَّاً ونوعاً كل يوم. وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة "جارتنر" (Gartner)، فإنَّ 70% من الشركات تستخدم أو تخطِّط لاستخدام أدوات متقدِّمة لتحليل البيانات خلال العامين القادمَين، ولعلَّ أبرز هذه الأدوات هي "تابلو" (Tableau) و"مايكروسوفت باور بي آي" (Microsoft Power BI)؛ لأنَّها تمكِّن المستخدمين من تحليل البيانات المعقَّدة دون عناء.

كشفَت دراسة أجرتها شركة "فورستر" (Forrester) أنَّ إيرادات الشركات التي تستخدم أدوات متقدِّمة لتحليل البيانات ازدادت بنسبة 10-15% بسبب تحسُّن قدرتها على اتخاذ القرارات، فتُبسِّط هذه الأدوات عمليات تحليل البيانات. حتى الموظفون غير المختصين يستطيعون استنباط المعلومات من البيانات والاستفادة منها في العمل.

ولكنَّ الأدوات وحدها لا تكفي لتحليل البيانات بفعالية بسبب التأثير الكبير الذي يحدِثه استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي؛ إذ يفيد تقرير صادر عن شركة "ماكينزي" أنَّ المؤسسات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات تزداد إنتاجيتها بنسبة تصل إلى 40%.

تستطيع الشركات اكتساب ميِّزة تنافسية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التحليلات التنبؤية لتوقُّع تغيُّرات وتوجهات السوق، فمثلاً استخدمَت إحدى شركات التجزئة العملاقة خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة مخزونها، فخفضَت التكاليف بنسبة 30% وزادت رضى العملاء. حيث تستطيع الشركات من خلال استخدام هذه التقنيات المتطورة الاستفادة من تحليل البيانات في تشكيل مستقبلها، وانتهاز الفرص، وتخفيف المخاطر.

أدوات وتقنيات تحليل البيانات

دراسات الحالة: التطبيق الناجح لتحليلات البيانات

كثُرت قصص نجاح الشركات بعد اعتماد تحليل البيانات؛ إذ تحسِّن الشركات باستخدام المعلومات التي تستنبطها من البيانات استراتيجياتها التشغيلية، فمثلاً استخدَمَت شركة "كوكا كولا" (Coca-Cola) تحليل البيانات في تحسين سلسلة التوريد، ممَّا أدى إلى انخفاض تكاليفها بنسبة 30%. قد استطاعت فِرق الإنتاج تلبية متطلبات العملاء عبر تحليل التوجهات الموسمية وما يفضِّله المستهلكون، كما وتمكَّنت الشركة من الاستجابة بسرعة لتغيُّرات السوق واحتياجات المستهلكين، ممَّا حسَّن الكفاءة من جهة، وزادَ رضى العملاء من جهة أخرى.

أفاد تقرير صادر عن شركة "ماكينزي" عام 2021 أنَّ المؤسسات التي تستخدم تحليلات البيانات، تتحسن قدراتها التشغيلية بنسبة تصل إلى 15%.

اعتمدت شركة "أمازون" أيضاً على تحليلات البيانات في نموذج أعمالها، وتمكَّنت من تخصيص التوصيات عبر الاستفادة من بيانات العملاء، فبلغَت نسبة الإيرادات التي حقَّقتها نتيجة لذلك 35%. تشير دراسة أجرتها "مجموعة بوسطن الاستشارية" (Boston Consulting Group) إلى أنَّ إنتاجية الشركات التي تستثمر في أدوات تحليل البيانات تزيد بنسبة 8-10%.

حسَّنت "أمازون" خلال جائحة كوفيد-19 (Covid-19) خدماتها اللوجستية عبر استخدام تحليلات البيانات بفعالية، ممَّا حافَظ على أسبقيتها في السوق، وزاد مبيعاتها عبر الإنترنت بنسبة 40% سنوياً.

تسلِّط دراسات الحالة هذه الضوء على دور تحليلات البيانات في إحداث التغيير، وتشجِّع الشركات الأخرى على القيام بالمثل لتعزيز الابتكار والكفاءة.

التغلب على صعوبات استخدام البيانات في اتخاذ القرارات

مع التدفق الهائل للبيانات يومياً، يجب أن تختار الشركات إمَّا الاستفادة منها أو المخاطرة بتراجع أدائها. قرَّرت إحدى شركات البيع بالتجزئة استخدام البيانات في اتخاذ القرارات، ولكنَّها واجهَت في بداية الأمر مشكلات تمثَّلت في جودة البيانات واستخدامها، وهي الصعوبات التي واجهتها 70% من المؤسسات على مستوى العالم، وذلك وفق الدراسة التي أجرتها شركة "ماكينزي" عام 2022. ولكنَّ الشركة حسَّنت عملياتها عبر الاستثمار في أدوات متقدمة لتحليل البيانات، وتعيين فريق مختص بفهمها، وازدادت نتيجة لذلك مبيعاتها بنسبة 20% في غضون ستة أشهر فقط، فاستفادت من تحليلات البيانات في توقع احتياجات العملاء وتبسيط إدارة المخزون.

لا يكفي الاستثمار في الأدوات التقنية للتغلُّب على صعوبات تحليل البيانات؛ بل يتطلب الأمر تغيير الثقافة التنظيمية؛ إذ يرفض الموظفون أحياناً الاعتماد على البيانات، ممَّا يعوق تقدُّم المنظمة. وفقاً لتقرير صادر عن شركة "ديلويت" عام 2023، تزداد سرعة اتخاذ القرارات في الشركات التي تشجع ثقافتها على استخدام البيانات بنسبة 25%، متفوقة بذلك على نظيراتها التي ما زالت تعتمد على المنهجيات التقليدية.

درَّبَت شركة البيع بالتجزئة التي ذكرناها في مثالنا السابق الفِرق على استخدام البيانات بعد نجاحها، وقد انخفضَت ممانعة الموظفين لهذا النهج بنسبة 40% خلال عام، ممَّا أسهمَ في الخروج بحلول مبتكَرة وتغيير الديناميات في المنظمة.

تقييم نتائج أداء المؤسسات

من الهام أن تستخدم المؤسسات التي تسعى لتعزيز نموها وكفاءتها المقاييس المناسبة في ظلِّ الطبيعة المتغيِّرة لأداء الأعمال، وكشفَت دراسة أجرتها شركة "بين آند كومباني" (Bain & Company)، أنَّ الشركات التي تستخدم مؤشرات الأداء الرئيسة (KPIs) تزيد أرباحها بنسبة تصل إلى 30%.

شركة "أمازون" هي خير مثال عن الشركات التي حقَّقت نجاحاً باهراً نتيجة تحليل مقاييس أدائها واستخدام البيانات في اتخاذ القرارات، فازدادت إيراداتها بنسبة 38% في عام 2020 وحده في انتشار الجائحة. أمَّا الشركات التي تهمل هذه المقاييس ولا تقيِّم نتائج أدائها، فتشير الدراسات إلى زيادة احتمال مواجهتها الركود الاقتصادي بنسبة 70%.

قرَّرت شركة تقنيات متوسطة الحجم تطبيق مقاييس شاملة لتقدير رضى العملاء واندماج الموظفين، واكتشفَت أنَّ تحسُّن رضى العملاء بنسبة 1% فقط، زادَ إجمالي الإيرادات بنسبة 3%، وبعد تحليل مقاييس الأداء مجدَّداً، لاحظَت الشركة أنَّ الموظفين المندمجين أكثر إنتاجية بنسبة 21% من نظرائهم غير المندمجين، إلى جانب ازدياد معدَّل الاحتفاظ بالموظفين في الشركة. يؤكِّد ذلك أهمية استخدام المقاييس المناسبة في تقدير فعالية المنظمات ودفعها تجاه النجاح المستدام.

تقييم نتائج أداء المؤسسات

التوجُّهات المستقبلية في تحليل البيانات وأداء المنظمات

تشهد المؤسسات مع تطور تحليلات البيانات تغيُّرات جذرية تجعلها تعيد تشكيل مقاييس أدائها؛ إذ كشفَت دراسة حديثة أجرتها شركة "ديلويت" أنَّ 49% من المؤسسات تستخدم التحليلات المتقدِّمة في اتخاذ القرارات، مقارنة بنسبة 35% قبل عامين فقط. يشير هذا الاعتماد المتزايد على المعلومات المستنبطة من البيانات إلى ميل الشركات تجاه تشكيل ثقافات أكثر مرونة واستنارة.

تستطيع الشركات الكبيرة في مجال البيع بالتجزئة تعديل مخزونها ووضع استراتيجيات التسويق اللازمة عبر تحليل أنماط شراء العملاء، ممَّا يعزِّز الكفاءة التشغيلية. كما من المتوقَّع أن تزيد أرباح الشركات التي تستخدم هذه التقنيات بنسبة تصل إلى 20% بحلول عام 2025.

من المتوقَّع أيضاً أن يغيِّر الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML) طريقة المؤسسات في فهم البيانات والعمل بها، فيتنبأ تقرير صادر عن شركة "ماكينزي" أنَّ أرباح الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، ستزداد بنسبة 122% بحلول عام 2030، بالإضافة إلى ذلك ستشهد المنظمات التي تستخدم التحليلات التنبؤية تحسينات أكبر في الأداء بمقدار 2.5 مرة من تلك التي لا تستخدمها.

ستتمكَّن الشركات التي تستثمر في أدوات متقدِّمة لتحليل البيانات من معالجة كميات ضخمة من البيانات دون عناء، واكتشاف التوجُّهات التي لم تكن واضحة في السابق، وإنشاء المبادرات الاستراتيجية بدقة غير مسبوقة، ممَّا سيسهم في النجاح والابتكار.

في الختام

تستفيد المؤسسات من تحليلات البيانات في تحسين عملية اتخاذ القرارات وتقييم نتائج الأداء، كما تستطيع تحديد التوجهات واستنباط المعلومات والتنبؤ بمستقبل العمل بدقة، ممَّا يمكِّن القادة من اتخاذ قرارات مدروسة تتوافق مع أهداف المنظمة، وبالتالي تعزيز الكفاءة والابتكار. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع المؤسسات الاستجابة لتغيُّرات السوق بسرعة عبر تحليل كميات هائلة من المعلومات، ممَّا يضمن الحفاظ على قدرتها التنافسية في السوق.

يُرسي استخدام تحليلات البيانات أيضاً ثقافة تركِّز على التحسين المستمر والمساءلة، فتؤدي الاستفادة من البيانات في اتخاذ القرارات إلى اكتساب ثقة أصحاب المصلحة، وزيادة شعور الموظفين بالمسؤولية تجاه مناصبهم.

تحقِّق المنظمات التي تستخدم البيانات في وضع الاستراتيجيات تحسينات قابلة للقياس في الأداء، ممَّا يعزِّز مرونتها. ومع استمرار التحديات التي تواجهها الشركات، من الهام استخدام تحليلات البيانات للحصول على فرص جديدة، والحفاظ على النجاح المستدام.

آخر المقالات

كن على اطلاع بأحدث الأخبار

اشترك الآن لتحصل على أحدث المقالات والأبحاث والمنتجات التي تجعلك أقوى من أي وقت مضى