يعتمد نجاح أي فريق رياضي على الكوتش، فهو يضع الاستراتيجيات، وينمِّي مهارات اللاعبين، ويحفزهم؛ إذ يُعد هاماً في الشركات بالقدر نفسه، فهو يُرسي ثقافة تنظيمية تشجع على نجاح فريق العمل.
ازدادت أهمية تقديم الكوتشينغ في الشركات أكثر من أي وقت مضى، وفقاً لتقرير "توقعات القيادة العالمية" (Global Leadership Forecast)، نظراً لأنَّ قرابة 40% من القادة يقولون إنَّهم لا يتلقون الكوتشينغ المناسب من مديريهم. تؤكد هذه الفجوة الحاجة المُلِحَّة لتطوير مهارات تقديم الكوتشينغ في الشركات؛ إذ يُظهر التقرير أيضاً أنَّ الكوتشينغ هو أكثر مهارة يرغب القادة في تحسينها، بالإضافة إلى أنَّ 85% من متخصصي الموارد البشرية الذين شملهم الاستطلاع يقرُّون بأهمية اكتساب مهارات الكوتشينغ خلال السنوات الثلاث المقبلة.
تبيِّن جميع هذه الإحصاءات أنَّ الاستثمار في إرساء ثقافة الكوتشينغ، ضروري لتمكين القادة، وتحسين أداء الفريق، وضمان استمرارية النجاح.
يبحث المقال في فوائد إرساء ثقافة الكوتشينغ، والخطوات اللازمة لذلك، وعقباته المحتملة، والدور الهام الذي يؤديه القادة في إرساء هذه الثقافة في الشركة.
ما هي ثقافة الكوتشينغ؟
يُعَد الكوتشينغ جزءاً أساسياً من التفاعلات اليومية في الشركات التي تعتمده، وهو يعزز رغبة الموظفين في التعلم والتطوير والنمو؛ إذ تعني ثقافة الكوتشينغ تغيير التسلسل الهرمي التقليدي، واعتماد نهج يشجع على التعاون وتمكين الموظفين، والتواصل المفتوح، والإصغاء، وطرح الأسئلة بعناية، وذلك لإطلاق إمكانات الأفراد والفِرَق.
تتمثل إحدى الافتراضات الخاطئة حول الكوتشينغ في أنَّ الموظفين رفيعي المستوى، يجب أن يدعموا مَن هم أدنى منهم؛ ولكنَّ ثقافة الكوتشينغ الفعالة تدعو جميع أعضاء الفريق بغض النظر عن مستواهم أو منصبهم، إلى مساعدة بعضهم على النجاح من خلال توفير مساحة آمنة تتيح للجميع التعلم واكتساب المهارات الجديدة والنمو.
تعد علاقة الكوتشينغ بين القادة ومرؤوسيهم هامة، فيجب أن يقدِّمه الموظفون لبعضهم أيضاً، ويتلقاه القادة من مرؤوسيهم؛ إذ يحتاج الجميع إلى التغذية الراجعة لتحقيق التنمية، والسعي للتعلم باستمرار. يستحيل أن يكون القائد خبيراً في كافة المجالات؛ بل إنَّه يحتاج لتلقي التغذية الراجعة من الآخرين بغض النظر عن منصبه في الشركة.
لضمان إرساء هذه الثقافة بنجاح، يحتاج القادة إلى الكفاءة والثقة اللازمتين لتقديم الكوتشينغ للآخرين وتحفيزهم وتطويرهم، فيتعلموا كيفية إجراء محادثات هادفة مع متلقي الكوتشينغ حول احتياجاتهم العملية والشخصية.
فوائد إرساء ثقافة الكوتشينغ
لا تقتصر فوائد إرساء ثقافة الكوتشينغ على تعزيز رضى الموظفين؛ بل تتعداها لتشمل تغيرات كبيرة تؤثر في الموظفين والشركة على الأمد الطويل.
فيما يأتي بعض الفوائد الكبيرة التي يعود بها تلقي الكوتشينغ على الموظفين:
- زيادة شعورهم بوجود مسار واضح لتنمية مهاراتهم القيادية بمقدار3 مرات.
- زيادة شعور القادة بالمسؤولية بمقدار7 مرة.
- انخفاض شعورهم بضرورة العمل في شركة أخرى لتحقيق التنمية بمقدار5 مرة.
- انخفاض رغبة الموظفين بمغادرة المؤسسة بمقدار8.
تجعل جميع هذه الفوائد القادة أكثر استقراراً واندماجاً ورغبة في النمو، أما الفوائد التي تعود بها ثقافة الكوتشينغ على الشركات فهي:
- زيادة احتمال أن تكون من بين أفضل الشركات من حيث الأداء المالي بمقدار5 مرة.
- زيادة احتمال أن تكون أفضل مكان للعمل بمقدار6 مرة.
- استقطاب المواهب والاحتفاظ بهم بمقدار9 مرة.
ينجم عن غياب الكوتشينغ الفعال عواقب سلبية كبيرة، فيزيد احتمال مغادرة الموظفين ذوي الإمكانات العالية بمقدار الضعف إذا لم يكن مديرهم كوتشاً فعالاً؛ إذ يخطط 11% فقط من أصحاب الإمكانات العالية الذين يتلقون الكوتشينغ من مديريهم للمغادرة خلال عام مقارنة بـ 20% من الموظفين الذين لا يتلقونه.
بات إرساء ثقافة الكوتشينغ ضرورياً لنجاح المنظمات من خلال تنمية الموظفين، وتعزيز أداء الشركة.
5 خطوات لإرساء ثقافة الكوتشينغ
1. تلقي الدعم من الإدارة العليا
يجب أن يطلق الموظفون رفيعو المستوى المبادرات لتغيير ثقافة الشركات، ويخصص كبار القادة الوقت لتقديم الكوتشينغ في الاجتماعات، وإجراء المحادثات الفردية وغير الرسمية مع الموظفين، ولكنَّ الأهم من ذلك هو أن يكونوا قدوة لباقي الموظفين.
فيما يأتي 3 عوامل هامة تعزز فاعلية القادة في تقديم الكوتشينغ:
- أن يكون المديرون أو المنتورز الرسميون قدوة إيجابية في تقديم الكوتشينغ.
- أن يستخدم القادة التقييمات الموضوعية لتلقي التغذية الراجعة حول مهاراتهم في الكوتشينغ.
- أن يرى القادة تأثير الكوتشينغ في فعاليتهم.
2. تطوير مهارات الكوتشينغ لدى جميع القادة
الخطوة الثانية هي تطوير مهارات الكوتشينغ لدى القادة بمختلف مستوياتهم، والتأكد من أنَّ الموظفين الذين يشغلون مناصب قيادية غير رسمية (مثل مديري المشروعات) يتمتعون بالمهارات اللازمة لتقديم الكوتشينغ.
تتضمن المهارات الأساسية الجمع بين الذكاء العاطفي والكوتشينغ الذي يمكِّن الموظفين من الاستعداد لإنجاز المهام وتحسين الأداء في المشروعات المستقبلية، ويُفضَّل تزويد القادة بالمصادر الإضافية اللازمة لتطوير مهاراتهم.
أنشئَت عدد من الشركات برامج تعلم فعالة لتدريب القادة ليتقنوا تقديم الكوتشينغ، مما أرسى ثقافة الكوتشينغ التي وفرت الفوائد المذكورة سابقاً.
3. تشجيع الموظفين على تطبيق مهارات الكوتشينغ في العمل
الخطوة التي تلي التدريب هي تطبيق مهارات الكوتشينغ لضمان إتقانها، وذلك من خلال وضع خطة عمل؛ إذ يجب أن يكون هناك خطة لمتابعة كل قائد على حدة للموازنة بين السلوكات المطلوبة وأولويات المنظمة، كما تقدِّم بعض الشركات جلسات متابعة تضم مجموعة صغيرة من القادة لمناقشة الفرص المتوفرة لتقديم الكوتشينغ، وتبادل الخبرات، بينما تعتمد غيرها من الشركات الكوتشينغ بين الأقران، أو محاكاة الكوتشينغ من خلال الإنترنت، أو التطبيقات التي تقدِّم التغذية الراجعة فوراً.
الأهم من ذلك كله هو إنشاء البيئة وخطة العمل المناسبة التي تشجع على الممارسة وتطبيق الدروس المستفادة والحصول على التغذية الراجعة حول التقدم المُحرَز؛ إذ يتطلب تقديم الكوتشينغ بإتقان الالتزام والتفاني والتطبيق العملي، والنتيجة هي إرساء ثقافة الكوتشينغ في الشركة.
4. المساءلة
يجب أن يؤدي جميع الموظفين دورهم في إنشاء ثقافة الكوتشينغ، فكثيراً ما يتحمل القادة وحدهم مسؤولية تقديم الكوتشينغ لفرقهم وتعليمهم كيفية تقديمه لبعضهم، بينما ينبغي أن يكون كل شخص مسؤولاً عن ذلك بغض النظر عن مستواه في الشركة.
إحدى نتائج الكوتشينغ الفعال هي تطوير فِرَق قادرة على اتخاذ القرارات، وذلك من خلال تحمُّل مسؤولية أدائهم وطريقة تقديم الكوتشينغ للآخرين، إلى أن تصل المؤسسة إلى مرحلة يتبادل فيها الموظفون من كل المستويات الكوتشينغ دورياً.
5. تقييم الفعالية والعائد على الاستثمار
يجب تقييم كلٍّ من فعالية إرساء ثقافة الكوتشينغ، والعائد على الاستثمار فيها من خلال تحديد الموظفين الذين يقدمونه بنجاح، وعدد المرات التي يُتبادَل فيها الكوتشينغ، وجوانب العمل التي تتحسن نتيجة لذلك، وتُستخدَم هذه المعلومات في تحديد الجوانب الناجحة والأخرى التي تحتاج للتحسين في ثقافة الكوتشينغ.
إنَّ الخطوة الأولى في قياس العائد على الاستثمار هي تحديد المقاييس التي يجب أن تؤثر فيها ثقافة الكوتشينغ، والتي تشمل اندماج الموظفين والاحتفاظ بهم، والإنتاجية، ورضى العملاء، ثم جمع البيانات الكمية والنوعية بناءً على تلك المقاييس، وتحليلها لمعرفة أبرز التحسينات المطلوبة والتوجهات السائدة، فيمكن اكتشاف قيمة ثقافة الكوتشينغ من خلال تحديد نتائجه في العمل. يساعد تقييم العائد على الاستثمار في ثقافة الكوتشينغ المؤسسات على اتخاذ القرارات بناءً على البيانات، وتحسين برامج الكوتشينغ، وتنمية الموظفين، مما يزيد نجاح المنظمة.
دور القادة في إرساء ثقافة الكوتشينغ
يؤدي القادة دوراً هاماً في إرساء ثقافة الكوتشينغ التي تنمِّي الموظفين، وتُنجِح المنظمة؛ إذ يقتدي بهم أفراد الفِرَق في تقديم الكوتشينغ؛ لأنَّهم يلهمونهم ويحفزونهم على الالتزام، ويُظهرون لهم أنَّ الكوتشينغ جزء لا يتجزأ من النمو، ويجب أن يوفر القادة الموارد والدعم والتدريب اللازم لتحسين مهارات الكوتشينغ، وتخصيص الوقت للتطبيق العملي وتقديم التغذية الراجعة.
يجب استخدام الكوتشينغ عند مناقشة الأداء، فتقدِّم هذه الممارسة التغذية الراجعة، وتضع الأهداف، وتخطط للتنمية دورياً، مما يجعل الكوتشينغ جزءاً أساسياً من عملية إدارة الأداء وثقافة المنظمة.
كيفية التغلب على التحديات التي ترافق ثقافة الكوتشينغ
يتطلب تغيير الثقافة التنظيمية إجراء تغييرات جذرية في الشركة، فالثقافة تحمل عناصر كثيرة تترسخ بمرور الوقت، مثل العادات، والرموز، ومساحة العمل، والديكور، والقيم، والافتراضات السائدة وغيرها، وفيما يأتي 5 خطوات لإرساء ثقافة الكوتشينغ ضمن الثقافة التنظيمية الحالية:
1. حث أصحاب المصلحة على تقديم الدعم
يجب التواصل مع الأطراف المعنية في المنظمة ليدرك الجميع أهمية إرساء ثقافة الكوتشينغ، فيجب أن يوضح المديرون التنفيذيون قيمة الكوتشينغ، وكيفية تقديمه.
2. مكافأة الموظفين الذين يقدمون الكوتشينغ بنجاح
ينبغي أن يصبح الكوتشينغ جزءاً لا يتجزأ من العمل في الشركة؛ إذ لا يكفي أن يشرح القادة أهمية الكوتشينغ؛ بل يجب أن يكونوا قدوة إيجابية في تقديمه لتشجيع الموظفين على التصرف بالمثل بما يتوافق مع قِيَم الشركة، وليس ثمة طريقة أفضل من مكافأة الموظفين الذين يقدِّمون الكوتشينغ بفعالية في إبراز ذلك.
3. توضيح فوائد الكوتشينغ
يجب أن تؤكد الأطراف المسؤولة عن إرساء ثقافة الكوتشينغ أهميته ودوره في عمل القادة، وذلك من خلال شرح فوائده بوضوح، وقد تختلف هذه الفوائد من شركة إلى أخرى، ولكن ينبغي التطرق إلى هذه النقاط ليكون الجميع على وفاق.
4. تجنُّب جعل الكوتشينغ أداة للتقييم
لا يرغب الموظفون بتلقي الكوتشينغ دوماً، ويرونه شكلاً من أشكال التغذية الراجعة السلبية، ولكنَّ الهدف من الكوتشينغ هو تحقيق نتائج أفضل، وليس استخدامه أداة للتقييم، بالتالي يجب أن يقدمه جميع الموظفين لبعضهم.
يعترض المساهمون والقادة على تلقي الكوتشينغ للأسباب الآتية:
- عدم توفر الوقت.
- عدم توفر الفرص.
- عدم معرفة كيفية تقديمه.
يجب أن يفهم القادة أنَّ الكوتشينغ ليس مهمة عليهم إضافتها إلى القائمة؛ بل ينبغي تعديل إجراءاتهم الروتينية ليكون الكوتشينغ جزءاً منها.
5. التشجيع على اكتساب عقلية الكوتشينغ
يجب وضع خطة مفصَّلة للخطوات التي ينبغي أن يتخذوها بعد فهم أهمية إرساء ثقافة الكوتشينغ من خلال اكتساب عقلية الكوتشينغ، وتدريب القادة على التعامل مع المواقف فوراً، بدلاً من عقد اجتماعات يتخللها الكوتشينغ دون تحقيق أية فائدة تُذكَر.
في الختام
يحتاج القادة إلى ثقافة الكوتشينغ في الشركات، وأفضل طريقة لتنمية مهارات الكوتشينغ وممارستها هي تطوير الفِرَق في بيئة داعمة، فإذا استثمرت المؤسسة الوقت والمال في تقديم الكوتشينغ، يجب أن تُرسي ثقافة الكوتشينغ تماماً في المؤسسة من خلال تشجيع الموظفين من كل المستويات على تقديمه، مما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية والاندماج والأداء، وإرساء ثقافة تنظيمية فعالة.