للحفاظ على القدرة التنافسية في بيئة الأعمال المتغيرة بسرعة، باتت المؤسسات بحاجة إلى رؤية واضحة ودقيقة تجاه الفرص الراهنة والمستقبلية. ومن هذا المنطلق، يصبح لزاماً على القادة أن يواكبوا أحدث التوجهات التي تغير مستقبل القيادة وأوساط الأعمال التجارية.
في عام 2025، ستظل المرونة وروح التعاون، إلى جانب القيادة الأصيلة، مفاتيح النجاح التي تميز القائد الفاعل والمؤسسة المتقدمة.
يشير تقرير "كورين فيري: إنسايتس العالمية للقوى العاملة 2025" (Korn Ferry: Workforce 2025 Global Insights) إلى تزايد حاجة المؤسسات إلى قادة يتمتعون بقدرة عالية على التعلم السريع، ورؤية شمولية متعددة الأبعاد، بالإضافة إلى الابتكار المستند إلى أحدث التقنيات.
وباتباع هذه التوجهات، تنجح المؤسسات في بناء قادة مستعدين لمواجهة تحديات المستقبل وتعزيز مرونة منظوماتهم، وهو ما يضمن لهم الاستمرار والتميز في عالم الأعمال المتغير.
أهم التوجهات في القيادة لعام 2025
في ما يلي نستعرض أبرز 4 توجهات تشكل ملامح القيادة في المستقبل، مع تقديم إرشادات عملية تساعد على بناء قيادة فعالة ومرنة:
1. التسارع التكنولوجي وثورة الذكاء الاصطناعي (AI)
لمواكبة التغيرات التكنولوجية المتسارعة، يتعين على القادة تبنِّي عقلية التعلم المستمر، ودمج الذكاء الاصطناعي في صلب اتخاذ القرارات الاستراتيجية. فالنجاح في هذا العصر يعتمد على المرونة في التكيف وتطوير المهارات استباقياً.
التكيف التكنولوجي وإتقان الذكاء الاصطناعي (AI)
في سوق تنافسي محموم، على القادة توقع التغييرات وقيادة الابتكار التكنولوجي، ويأتي الذكاء الاصطناعي في مقدمة هذه التحولات كأداة مركزية تغيِّر طرائق العمل.
تشير نتائج «كورين فيري: المسح العالمي للقوى العاملة 2025» إلى أنَّ الرؤساء التنفيذيين وكبار المسؤولين حول العالم بدأوا تدريجياً في تبني هذه التكنولوجيا:
- يعتقد 71% من الرؤساء التنفيذيين (CEOs) و78% من كبار التنفيذيين (Senior Executives) أنَّ الذكاء الاصطناعي (AI) سيعزز قيمتهم خلال السنوات الثلاث المقبلة.
 - 75% من القادة العالميين متحمسون لتأثير الذكاء الاصطناعي (AI) في أعمالهم.
 - يُعد القادة في الهند (India) بنسبة 85%، والسعودية (Saudi Arabia) بنسبة 84%، والإمارات (UAE) بنسبة 82%، والبرازيل (Brazil) بنسبة 80% هم أكثر القادة تفاؤلاً بتأثير التقنيات الناشئة في بيئة العمل.
 
مهما كانت مواقف القادة تجاه الذكاء الاصطناعي، فإنَّ فهمه واستخدامه أصبحا ضرورة لا غنى عنها لتعزيز الكفاءة ودعم اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة.
وتبرز أبحاث "كورين فيري" أنَّ الرؤساء التنفيذيين الذين يحصلون على تقييمات عالية، ينجزون تحولات تكنولوجية أعمق، ويحققون معدل نمو في الإيرادات السنوية يصل إلى 8.7%، مقابل 3.2% فقط لمن هم أقل تقييماً.
ومن هنا، تأتي أهمية برامج القيادة التي تدمج التحول الرقمي والتكنولوجيا ضمن برامجها، وتضمن التعلم المستمر والمرونة في التكيف.
ينبغي أن توفر المؤسسات ورش عمل تطبيقية تعزز فهم القادة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بثقة، مع تشجيع التجربة والابتكار المستمر.
كما لا بدّ من تنظيم ندوات افتراضية (Webinars) ودورات تدريبية دورية تعرّف القادة بأحدث التوجهات التقنية، وتمكِّنهم من دمجها بفعالية في التخطيط الاستراتيجي.
2. القيادة التكيفية (Adaptive Leadership) والابتكار (Innovation)
القائد المتميز هو الذي يرسخ في مؤسسته ثقافة عمل تستند إلى المرونة وروح التجربة، مدركاً أنَّ الابتكار لم يعد حكراً على أقسام البحث والتطوير فقط، بل يجب أن يتغلغل في في جميع مستويات المؤسسة.
بناء ثقافة الابتكار (Innovation Culture)
تعني القيادة التكيفية خلق بيئة تتيح اتخاذ القرارات بسرعة وتجريب متكرر، مع توضيح رؤية الابتكار وربطها بالهدف الأسمى للمؤسسة، لتصبح مفهومة وقابلة للتطبيق بين الفِرَق المختلفة.
يشمل ذلك اعتماد مؤشرات قياس الأداء، واتخاذ القرارات المبنية على البيانات (Data-Driven Decisions)، وإدارة التغيير، وإزالة العقبات التي تعترض طريق التجديد والابتكار، وربط الأقسام المختلفة لضمان تدفق الأفكار والطاقات.
وتؤكد دراسات "أكثر الشركات العالمية إثارة للإعجاب لعام 2025" (World’s Most Admired Companies - WMAC) أنَّ المرونة في التعلم (Learning Agility) والفضول المعرفي (Curiosity) هما من أولويات اختيار القيادات الجديدة لديها.
ويعتقد نحو ثلثي قادة هذه الشركات أنَّ مؤسساتهم جاهزة للتغيير، مع وجود خطط واضحة للتحول وفِرق قادرة على قيادة هذا التحول أو التكيف معه.
أفضل الممارسات لتعزيز الابتكار (Innovation) والتكيف (Adaptability):
- ترسيخ عقلية النمو (Growth Mindset): غرس روح التعلم والفضول على جميع المستويات داخل المؤسسة.
 - تمكين الفِرَق (Empowering Teams): منحها صلاحية اتخاذ القرار والتجربة.
 - دعم القرارات القائمة على البيانات (Data-Driven Decisions): استخدام المؤشرات لتوجيه الابتكار.
 - إزالة العوائق (Removing Obstacles): تحديد معوقات الابتكار والتخلص منها.
 - مواءمة الرؤية والغاية (Aligning Vision and Purpose): ضمان وضوح استراتيجية الابتكار وربطها بالقِيَم الأساسية للمؤسسة.
 
باتباع هذه الممارسات، يمكن للقادة بناء ثقافة ديناميكية ومبتكرة تدفع الأداء وتؤهل المؤسسة إلى تحقيق نجاح مستدام.
_والابتكار_ILLAFTrain_80f6ea471505b005507489feb4f71d1046099126_224899d45fb37403199db2b4be782524.jpg)
3. تجهيز القادة لإدارة بيئة العمل المتغيرة (Evolving Workplace)
يواجه القادة اليوم تحديات معقدة تتمثل في إدارة فِرَق العمل عن بُعد (Remote Work) والأنماط الهجينة (Hybrid Work)، ما يتطلب قدرة عالية على الإلهام والتوجيه، مع سرعة التكيف والحفاظ على رؤية واضحة للمستقبل.
وفقاً لمسح "كورين فيري للقوى العاملة"، يُعدّ العمل المرن (Flexible Work) أولوية قصوى لما يقارب 80% من الموظفين على مستوى العالم.
تتباين هذه التفضيلات من بلد إلى آخر:
تختلف الخيارات التي يفضلها الموظفون اختلافاً كبيراً من دولة إلى أخرى، وذلك وفق التالي:
- في البرازيل، 12% فقط مرتاحون للعمل المكتبي بدوام كامل.
 - في اليابان، تصل النسبة إلى 36%.
 
لتلبية هذه المتطلبات المتغيرة، من الضروري أن توفر المؤسسات برامج تدريب متخصصة لتأهيل القادة وتمكينهم من إدارة الفِرَق الهجينة والعاملة عن بعد بالكامل بنجاح.
تُعد المرونة القيادية عاملاً حاسماً في جذب الكفاءات والحفاظ عليها؛ إذ يشير عدد كبير من الموظفين إلى استمراريتهم في وظائفهم الحالية إذا أُتيحت لهم خيارات ساعات عمل مرنة أو إمكانات العمل عن بُعد.
كما أنَّ دمج تقنيات التعاون والإنتاجية في سير العمل اليومي، مع ضمان تمكّن القادة من استخدامها بكفاءة، يمثل ضرورة لا غنى عنها. كما يسهّل توفير التدريب المنتظم وتبادل أفضل الممارسات في هذا المجال من دمج هذه الأدوات ضمن أنماط العمل المختلفة.
4. القيادة المرنة وبناء الثقة
يُعد تطوير مهارات القيادة المرنة والتكيفية ضرورة لمواجهة التغييرات السريعة في بيئة العمل. وتشير نتائج الاستطلاع إلى أنَّ تفضيل خيارات العمل المرن قوي بين جميع الفئات العمرية:
- في بريطانيا، 30% من المشاركين من الفئة العمرية 18-24 سنة، و43% من الفئة 45-54 سنة، يعدون ساعات العمل المرنة من أولوياتهم عند البحث عن وظيفة جديدة.
 - في أستراليا، أبدى 36% من الشباب، و52% من الفئة الأكبر سناً (55-65 سنة) تقديراً عالياً لأهمية المرونة في العمل.
 
في الختام
يمثل التوجه نحو العمل عن بعد والأنظمة الهجينة تحولاً جذرياً في توقعات بيئة العمل، ويستلزم من المؤسسات التركيز على تطوير برامج تنمّي قدرة القادة على التكيف والمرونة في مواجهة المتغيرات.
فضلاً عن ذلك، يجب على القادة بناء الثقة بين أعضاء الفِرَق الهجينة والعاملة عن بُعد، لضمان الحفاظ على تواصل فعّال ومستويات إنتاجية مرتفعة.
تُظهر البيانات أنَّ المرونة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ثقافة العمل الحديثة، وتساهم في تعزيز رضا الموظفين وأدائهم.
ولتعزيز هذه الروح، يُنصح بتنظيم أنشطة بناء فِرَق افتراضية (Virtual Team-Building Activities) دورياً، مما يقوّي الروابط بين أعضاء الفِرَق، ويزيد من التفاعل والتماسك، ويؤدي بدوره إلى رفع الإنتاجية وتعزيز الشعور بالانتماء الوظيفي.
هذا المقال من إعداد المدرب عائشة الحضرمي، كوتش معتمد من ولفا أكاديمي