هذا سؤال بسيط ومع ذلك لا يتفق عليه أحد، ولتعريفِ القيادة دعونا نبدأ بتعريف ما لا تعنيه: لا علاقة للقيادة بالأقدمية أو بمنصب الفرد في الشركة؛ ففي حين يشير الكثيرون إلى كبار المديرين التنفيذيين حين يتحدثون عن قيادة الشركة، إلَّا أنَّه يُطلق على هؤلاء كبار المديرين التنفيذيين وليسوا بالضرورة قادة.
لا تصبح قائداً عندما تحصل على راتب معيَّن، وفي حين نأمل بالطبع أن يترافق الدور القيادي مع راتب أعلى، إلَّا أنَّ ذلك لن يحدث بالضرورة، ولا علاقة للقيادة بالرتب والألقاب؛ إذ لمجرَّد أنَّك تتمتع بلقب لا يعني أنَّك قائد، وفي الحقيقة لستَ بحاجة إلى لقب لتصبح قائداً؛ بل يمكنك أن تكون قائداً في أي دور تشغله سواء في منطقتك أم في عائلتك أم أي مكان آخر، وكل ذلك دون أن يكون لديك لقب.
لا علاقة للقيادة بالسمات الشخصية على الرغم من أنَّ معظم الناس يتخيلون شخصاً جذاباً قوي الشخصية عند تخيُّل قائد، وغالباً ما نفكر في شخصيات تاريخية مميزة، ولكنَّ القيادة ليست صفة، ولسنا بحاجة إلى التمتُّع بشخصية اجتماعية جذابة لممارسة القيادة، وأولئك الذين يتمتعون بالكاريزما لا يمارسون دوراً قيادياً تلقائياً.
لا علاقة للقيادة بالإدارة، وهذا أكبر مفهوم خاطئ؛ فالقيادة والإدارة لا يعنيان الشيء نفسه، والإدارة الجيدة ضرورية؛ إذ يجب على المديرين التخطيط والتقييم والمراقبة والتنسيق وحل المشكلات والتوظيف والتسريح وأشياء أخرى كثيرة، لكن بينما يمارس المديرون الإدارة يقود القادة الناس.
ما هي القيادة؟
دعونا نرى كيف يعرِّف بعض أهم المفكرين في عالم الأعمال في عصرنا القيادة، ثم دعونا نحدد ما الخطأ في تعريفاتهم.
المستشار الإداري "بيتر دراكر" (Peter Drucker): "التعريف الوحيد للقائد هو الشخص الذي لديه أتباع".
هذا التعريف مبسَّط لدرجة أنَّه خطر؛ على سبيل المثال إذا عُيِِّن قائد جديد لفرقة عسكرية ولم يغادر غرفته أبداً أو يتحدث إليهم إطلاقاً، بالطبع سيظل يتعيَّن على جنوده اتِّباع أوامره، لكن هل هو قائد حقاً؟ هو رئيس نعم، لكن ليس بقائد. دراكر هو بالطبع مفكر لامع في مجال الأعمال الحديث ولكنَّ تعريفه للقائد بسيط للغاية.
المؤلف "وارن بنيس" (Warren Bennis): "القيادة هي القدرة على تحويل الرؤية إلى واقع".
إذا كانت لديك حديقة ورؤية لما تريد أن تبدو عليها، فاعتنيت بها في كل فصل حتى أصبحَت حقيقة واقعة، فلا يعني ذلك أنَّك قائد؛ بل أنت بستاني، ويبدو أنَّ تعريف بنيس قد نسي أنَّه يجب أن يكون هناك أحد لتقوده كي تكون قائداً.
رجل الأعمال "بيل جيتس" (Bill Gates): "بينما نتطلع إلى القرن المقبل، سيكون القادة أولئك الذين يمنحون القوة للآخرين".
يشمل هذا التعريف ما نسيه بنيس ويذكر الأشخاص الآخرين الذين يجب أن يكونوا موجودين ليمارس القائد فعل القيادة، ومساعدة الآخرين ضرورية أيضاً، لكن ما الهدف الذي سيحققه؟ يوجد العديد من الناس الذين يتمتعون بالقوة لفعل شيء ما، لكن ما هو ذلك الشيء؟ يفتقر تعريف غيتس إلى تحديد الهدف أو الرؤية.
"جون ماكسويل" (John Maxwell): "القيادة تأثير، لا أكثر ولا أقل".
لا يعطي هذا التعريف القيادةَ حقها، فالسارق الذي يحمل سلاح له تأثير في ضحيته، ويستطيع المدير طرد أعضاء الفريق مما له تأثير كبير فيهم، ولكنَّ هذا التأثير لا يجعل السارق أو المدير قادة؛ إذ يتجاهل تعريف ماكسويل مصدر التأثير.
التعريف الحقيقي للقيادة:
"القيادة هي عملية التأثير الاجتماعي، والتي تعزز جهود الآخرين لتحقيق هدف محدد".
لاحظ العناصر الأساسية لهذا التعريف:
- تنبع القيادة عن التأثير الاجتماعي وليس السلطة أو القوة.
- تتطلب القيادة وجود أشخاص آخرين.
- لا يوجد أي ذكر للسمات الشخصية أو الصفات أو حتى الألقاب، وتوجد العديد من الأساليب والعديد من الطرائق للقيادة بفاعلية.
- يتضمن هدفاً ولا يتضمن تأثيراً دون نتيجة مرجوة.
في الختام:
ما يميز هذا التعريف عن العديد من التعريفات الأكاديمية الأخرى هو تضمين "تعزيز الجهود"، وبالطبع يمكن للقائد استخدام التأثير الاجتماعي لتنظيم جهود الآخرين فقط، ولكنَّ القيادة تدور حول تعزيز جهودهم، لن يقول القائد: "مرحباً، فلنصطَف ونصعد إلى قمة ذلك التل يوماً ما"؛ بل: "مرحباً، هل ترون ذلك التل؟ دعونا نرى مدى السرعة التي يمكننا بها الوصول إلى القمة، وسأشتري الغداء لأي شخص يمكنه أن يسبقني".